للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الغيث]

أيها الإخوة في الله: مِن رحمة الله بعباده أن أنزل لهم من الغيث نوعين اثنين:

أحدهما: معنوي.

والآخر: حسي.

فالأول: غيث القلوب والأرواح بالكتاب والسنة، وهذا الغيث هو مادة حياة القلوب، وصفاء الأرواح، وبه تتحقق سعادة الدارَين، وصلاح الحياتَين، وهذا الغيث -يا عباد الله- هو ما يفتقده الناس اليوم على الحقيقة، بل إن ضرورتهم إليه وحاجتهم له أشد من الغيث الحسي، وهو غيث الأرض بالمطر.

ولا يحصل الثاني إلا بتحقق الأول.

فعلينا -يا عباد الله- أن نتفقد قلوبنا: هل رَوِيت من القرآن، أم هي ظامئة عطشى؟!

يجب علينا أن ننظر في صحائفنا: هل هي ربيع بوحي الله، أم قاحلة جدباء؟!

لعل ذلك يدفعنا إلى إصلاح حالنا، وتقوية الإيمان في قلوبنا.

عباد الله: يا من خرجتم تستغيثون! هنيئاً لكم اجتماعكم هذا، لقد أجبتم داعي الله، وأحييتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثلتم أمر ولي الأمر وفقه الله.

فلا حرمكم الله فضله وثوابه، وحقق آمالكم، واستجاب دعاءكم.

وإنه لمن الحرمان العظيم تساهل بعض الناس في حضور دعوة الخير، وإحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هذا وإن الارتباط بين الغيث المعنوي والحسي عظيم ووثيق؛ فإذا أجدبت الأحاسيس والمشاعر، وقحطت المعاني الخيرة والمثل العليا في النفوس والضمائر، وساد الناسَ جفافٌ في الإيمان والسلوك، ذلَّت الأمة بمنع القطر، وإذا رويت بالإيمان والتقوى سَعِدَت في الأولى والأخرى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٤٢ - ٤٣].

فيا عباد الله: ألم يأن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر الله؟!

فلنتقِ الله عباد الله! ولنتأس بنبينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد خرج يوم الاستسقاء متخشعاً متذللاً متضرعاًَ مجتهداً في الدعاء؛ لأن الاجتهاد في الدعاء من أعظم الأمور التي يُسْتَنْزَل بها المطر.

يقول سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦].

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠].

وقد ورد أن الله عزَّ وجلَّ يستحيي من عباده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفراً، أي: خائبتَين.

أتهزأ بالدعاء وتزدريهِ ولم تدرِ ما صنعَ الدعاءُ

سهامُ الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاءُ

إذا علمتم ذلك -يا عباد الله- فارفعوا قلوبكم وأيديكم إلى ربكم ومولاكم، والهجوا بالثناء عليه سبحانه، طالبين الغيث منه، راجين لفضله، مؤمِّلين لكرمه، مُلِحِّين عليه بإغاثة القلوب والأرواح، وسقي البلاد والعباد، ومتى علم الله إخلاصكم وصدقكم وتضرعكم أغاث قلوبكم بالتوبة إليه، وبلدكم بإنزال المطر عليه.

لا إله إلا الله غياث المستغيثين، وراحم المستضعفين، وجابر كسر المنكسرين!

لا إله إلا الله العليم الحليم!

لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم!

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله.

نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.

{عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس:٨٥ - ٨٦].

{لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:١٤٩].

لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنَعَنَّا بذنوبنا فضلك.

اللهم آنس قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراًَ.

اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاًَ غدقاًَ طبقاً عاماً واسعاً مجللاً نافعاً غيرَ ضار، عاجلاً غيرَ آجل.

اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.

اللهم اسقِِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت.

اللهم أغثنا غيثاً مباركاً تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته عوناً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين.

اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركاتك، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض.

اللهم ارفع عنا الجَهد والقحط والجفاف، وعن بلاد المسلمين يا رب العالمين، واكشف عنا من الضر ما لا يكشفه غيرك.

اللهم إنَّ بالعباد والبلاد من اللأواء والجَهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك.

اللهم ارحم الشيوخ الركَّع، والبهائم الرتَّع، والأطفال الرضَّع.

اللهم اكشف الضر عن المتضررين، والكرب عن المكروبين، وأسبغ النعم، وادفع النقم عن عبادك المؤمنين.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المتقين، وأشرف المرسلين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والقحط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك.

اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.

اللهم أمِدَّ بالعون والتسديد والتوفيق أميرنا وسائر المسلمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: لقد كان من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم بعدما يستغيث ربه أن يقلب رداءه، فاقلبوا أرديتكم اقتداءً بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتفاؤلاً أن يقلب الله حالكم من الشدة إلى الرخاء، ومن القحط إلى الغيث، وليكون ذلك شعاراً وعهداً تأخذونه على أنفسكم بتغيير لباسكم الباطل إلى لباس الإيمان والتقوى، بدلاً من لباس الذنوب والمعاصي.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك محرومين.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.