للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تقصير أهل العلم في حل المشكلات]

من أسباب وجود المشكلات في المجتمعات الإسلامية: تقصير أرباب الإصلاح والدعوة في عرض هذه القضايا، حيث إن هذه القضايا تلامس شريحة كبيرة من المجتمع، فئات لا تحصى يعانون من قضايا اجتماعية، لماذا لا تولى هذه القضايا حلولاً وعلاجاً؟

ولا نريد علاجاً بالخطب الرنانة والكلمات الطنانة فقط فهذه لا تكفي في العلاج، وإنما نريد أهل الإيمان الذين يؤثرون دينهم على أهواء نفوسهم، يؤثرون ما جاء به الشرع على ما تراه النفوس الأمارة بالسوء، لماذا يا أخي بيتك مليء بالبنات ولا تدعو لهن من هؤلاء الشباب الصالح من يتزوجهن؟

يقول: أخشى أن يقول الناس عني كذا، أو أن يتهموا بناتي وأخواتي بكذا يا سبحان الله! أأنتم أعلم أم الله؟

أنحن أفضل أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! أنحن أهدى أم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

ألم يعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفصة ابنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله على أبي بكر رضي الله عنه؟ ألم يعرض سعيد بن المسيب عليه رحمة الله ابنته، بل يزوج ابنته من تلميذه أبي وداعة؟

هؤلاء أناس آثروا ما عند الله ولو سخط الناس كلهم، وإذا خالف الناس أمر الله أو إذا ألزموني بأمر يخالف شرع الله؛ فيضرب كلامهم بعرض الحائط ما دمت على بينة من أمري وعلى صراط مستقيم، وعلى حق ودليل وحجة فلا يبالي المسلم برضا الناس أو بسخطهم.

هذه قضايا يجب أن نتواصى بها؛ ولهذا ليس بغريب أن يقوم أحد من الحاضرين ويعلن أن عنده بنات ويبحث عن الأزواج الصالحين، أو أن يقوم أحد الصالحين من الأبناء الذين أضناهم البحث عن المرأة الطيبة في دينها وعقيدتها وأخلاقها فيسأل أحداً من الحاضرين -أو غيرهم- ابنته زوجة له، ولتسقط كل المخالفات الشرعية التي أثقلت كواهلنا، وأضنت شبابنا وشاباتنا، وأرهقت مجتمعنا بأمور ما أنزل الله بها من سلطان.

ولهذا ينبغي على الإخوة الطيبين الصالحين من الرجال والنساء -ولا غضاضة في ذلك- أن يعرض المرء نفسه على أخيه في الله ليخطب ابنته -مثلاً- أو موليته أو قريبته، أو يعرض عليه ليساعده في البحث عن زوجة صالحة، ولا مانع أن يوجد من الرجال من يخطب من هؤلاء الشبيبة لابنته أو قريبته، وليست القضية -أيها المسلمون- مادية، فنحن لا ننظر إلى القضايا الاجتماعية على أنها قضايا مادية، فما أفلسنا -والله- إلا حينما نظرنا إلى القضايا الاجتماعية على أنها قضايا نبحث من ورائها مادة وشهرة وجاهاً ورفعة وكلاماً بين الناس.

إن بناتك اللاتي أنعم الله بهن عليك بل ابتلاك بهن من أعظم إحسانك إليهن البحث عن الشريك الصالح والزوج الطيب، ولن يعدموا -ولله الحمد والمنة- بل هم كثر، وما أكثر الشباب الذي يبحثون عن الزوجات! بل وأقولها بكل صراحة: ما أكثر ما نعاني من بنات وفتيات يبحثن عن الأزواج، لكن من يكون وسيطاً في الإصلاح؟!

ومن يحتسب لأجل الإصلاح بين الناس، ولأجل الشفاعة الحسنة، والتعريف بين المجتمعات؛ علَّ الله أن يثيبه على ذلك؟!

هذا أمر ينبغي أن نتجرد له جميعاً، ولهذا ينبغي أن يوجد في كل حي ومكان وفي كل مسجد عن طريق الإمام أو غيره أناس ينذرون أنفسهم لهذه القضايا، فقد ترى أناساً نذروا أنفسهم لطلب العلم أو للدعوة وتجدهم يجوبون البلاد ويخرجون للدعوة والإصلاح لكن قد يهملون أقرب قريب، وقد يتركون أناساً هم بحاجة إلى الإصلاح، وقد يكون مجتمعهم بحاجة إلى أن يصلحوا فيه، فيقصرون في ذلك، فلماذا لا تسد هذه الثغرة في المجتمع؟!