للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المناسبة بين البلاء والعقوبة]

السؤال

هل كل ما أصاب الداعية من مصيبة دليلٌ على عدم إخلاصه، أو أن ذلك لابتلائه على قدر الإيمان؟

الجواب

هذا سؤال مهم! وفعلاً قد يوقع لبساً عند بعض الإخوة.

لا شك أن المؤمن يُبتلى، وأن الله -عز وجل- قد كتب الابتلاء وجعله سنة، وأشدكم بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه، لكن قد يبكي الإنسان أحياناً لأمرٍ وقع في نفسه، فلا تنافي بين الأمرين، وعليه إذا ابتلي أن يراجع نفسه، فدليل إخلاص الرجل أنه إذا أخطأ أن يتبين له الخطأ، وإذا حصل له ابتلاء عليه أن يلتجئ إلى الله، وأن يخلص ويفوض أمره إلى الله سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥].

فمع أنهم علموا أن الابتلاء من الله، لكنهم لم يمنعهم ذلك أن يراجعوا أنفسهم وأنهم قد يكونوا قصروا في أمر من الأمور، فعلى الإنسان أن ينظر في نفسه وينظر في تقصيره، فإن علم أنه ليس منه تقصير فذلك ابتلاء من الله، والله عز وجل سيرفعه به درجات، ويكفر عنه به سيئات، وليصبر وليحتسب {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:٢٢] بلى! كل مسلم يُحب أن يغفر الله له، وأن يعافيه من الابتلاء، لكن لا يعرض الإنسان نفسه للبلاء.

أحياناً: قد يعرض الإنسان نفسه للبلاء؛ إما من قلة علمه، أو إما لاستعجاله في أي أمرٍ من الأمور، فيقع في ابتلاء نتيجة أمرٍ في نفسه، فهذا ينبغي أن يعود إلى نفسه لعله استعجل أو لعله أخطأ في الأسلوب، ولعله ولعله من الأسباب التي يُوردها على نفسه، فأهم شيء ما بينك وبين الله، إذا أخطأت أو قد تكون استعجلت، أما وجود الغيرة لدى المسلمين؛ فهذا أمر طيب يشكرون عليه {أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه، والله أغير منّي}.

إن الله عز وجل يغار، ويجب على المسلم أن تتحرك غريزته وفطرته وأن يتحرك إيمانه حينما يرى أن حرمات الله تنتهك، لكن عليه أن يربط نفسه بالميزان الشرعي، وعليه أن ينكر على حسب حاله واستطاعته، وأن يرجع إلى أهل العلم.

أما أن يضيع الإنسان نفسه، ويعرضها ويجعلها في محل التهم، ويستعجل في أمر له فيه أناة، ويقول له أهل العلم: رويدك يا أخي! وقد يتهم العلماء باتهاماتٍ لا تليق، فهذا إنما أوتي من قبل نفسه، فعليه أن يعود إلى نفسه؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يراجع نفسه، وأدعى إلى إخلاصه، وليفهم الكلام جيداً، وليفهم هذا التفريق الطيب، ولا ينبغي أن يأخذ كلام المتحدث وكلٌّ يركبه على فهمه، ويقول الشيخ يقصد فلاناً أو يريد فلاناً، كلامنا ليس عن النية، فالنية عند الله، كلامنا في الإخلاص، والإخلاص لله تبارك وتعالى.

فنسأل الله أن يدل الجميع للحق، وأن يجعلنا وإياكم من المتحابين فيه، وأن يجعلنا وإياكم ممن ابتلوا في سبيله، فإن من ابتلي في سبيل الله عز وجل وفي دعوته وفي إنكاره المنكر فإن هذا -إن شاء الله- خيرٌ له في دينه ودنياه، وقد يكون هذا من الخير أنه يراجع الصواب في بعض المسائل التي قد يكون أخطأ فيها، فإن لم يجد من نفسه خطأ فهذا ابتلاء: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:١٠٦]، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] ابتلاء لرفعة الدرجات، وتكفير السيئات، كما ابتلي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكما ابتلي الأئمة والعلماء والجهابذة قديماً وحديثاً في كثيرٍ من البلاد.

ونسأل الله تعالى أن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يمنَّ علينا وعليهم بالهداية والتوفيق، وأن يُجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنه جوادٌ كريم.