للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية علاج الأخطاء بتطبيق الأقوال]

وبهذه المناسبة أنا أقترح -وسأذكر هذا في ختام هذه الكلمة إن شاء الله- أن نجتاز مرحلة القول اللساني واللفظ إلى التخطيط والعمل البناء المثمر، ويجب أن تتولى مراكز الدعوة والإصلاح في المجتمع علاج هذه القضايا، أما أن تترك هذه القضايا لتأكل الأخضر واليابس، وليصطلي بلظاها ونارها فئام في المجتمع ونحن نتفرج فليس هذا من حقوق الأخوة الإسلامية، وليس ذلك من أداء واجبنا تجاه مجتمعنا الذي ما تحل فيه معضلة إلا ويجب علينا أن نتكاتف لعلاجها.

ثم إن العلاج يقتضي إخلاص النية لله، وسلامة الصدور للمسلمين، وأن يحب المرء لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، كيف ترضى أن يصل شباب إلى سن الثلاثين أو الخامسة والثلاثين وهم يبحثون عن شريكة الحياة وعن الزوجة: السكن والمودة والرحمة وعن الإنجاب والأولاد، وأنت تنعم مع زوجتك وأولادك، أين الأخوة والمحبة في الله؟

كيف ترضى لامرأة أيم أرملة مسكينة طلقت، أو يتمت، أو أصاب أولادها كوارث وحوادث، وأنت تنعم أنت وأولادك وأهلك وأسرتك بعيش رغيد وظل ظليل؟!

أين واجب الأخوة الإسلامية؟ لماذا لا يحس المسلمون إحساس إخوانهم المسلمين؟

الجيران بعضهم مع بعض، تجد أناساً عندهم مشكلات ومعضلات أسرية لا يقوى لها عظماء الرجال، وآخرون لا يهتمون بحقوق إخوانهم.

إن من أهم نفع المسلمين وأداء الخير لهم -وأكثر من إعطائهم المادة- أن تصلح أحوالهم، وأن يسعى المسلم لقضاء حوائج إخوانه المسلمين، ولتعلم أن مساعدتك للشاب الراغب في الزواج، أو مساعدتك لامرأة تعفها وتحصن فرجها وتتقدم إلى خطبتها من أكبر النفع لها، ومساعدتك لإنسان آخر يبحث عن زوجة بأن تدله على زوجة صالحة هذا من أكبر النفع له، هذا الهاجس يكاد يكون مفقوداً بين المسلمين! إما نتيجة الأنانية والأثرة، وإما نتيجة ضعف الإيمان، وإما البعد عن المسئوليات والتملص عن الواجبات، ولا يبالي أحد أن يقول: هذه قضايا شخصية لا أتدخل فيها.

هذه قضايا شرعية في الدرجة الأولى، وإعفافك لأخيك المسلم وإحصانك لفرجه وسيرك معه في هذه القضية من أولها إلى آخرها من أكبر النفع له، أتعلم أنك بذلك تشارك في ميلاد أسرة جديدة تؤمن أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يخرج منها أجيال وأبناء يحملون مشعل الهداية للعالمين؟!

هذه قضيتنا وهذه نظرتنا؛ ولهذا أقترح بهذه المناسبة أن يكون هناك خطوات عملية في كل حي، وفي كل مدرسة، وإذا أمكن في كل دائرة، تحت إشراف رسمي يتابع هذا الأمر في قضية الإصلاح، ويطلق على هذا: (كتائب الإصلاح) أو (قوافل الإصلاح بين الناس) بالمساعدات المادية المعنوية والدلالة على الخير، ومن دل على الخير فله مثل أجر فاعله لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.

فينبغي علينا -أيها الإخوة- ألا نهمل هذا الخير، ولنعلم أن هذا من النفع المتعدي، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر؛ فكونك تصلي أو تقرأ القرآن أو تذكر الله بنفسك هذا خير؛ ولكن قيامك بهذه الأعمال التي فيها نفع للمسلمين أفضل منها.

أيها الإخوة الأحباب في الله: لا يزال الناس بخير ما تحسسوا مشكلاتهم، وما تابعوها ووصفوا العلاج، وسعوا جادين للسعي في الخطوات العملية في القضاء على هذه المشكلات.

وقبل أن أبدأ في عرض عدد من المشكلات التي نعاني منها سأبدأ بذكر أسباب هذه المشكلات، مع يقيني أنني لا أستطيع حصرها لأنها كثيرة جداً، وقد قلبت في فكري وخاطري عدداً من المشكلات التي تمر بالمجتمع، والتي يعاني منها فئام سواء من فئات الشباب أو من فئات النساء أو القضايا الزوجية، أو العلاقات الأسرية، أو القضايا الاجتماعية العامة، فوجدتها تزيد على ثلاثين مشكلة، وهذا ليس بالأمر الهين لأن وجود مشكلة واحدة من هذه المشكلات إنما هي معول يهدم ويخرق في سفينة المجتمع، فتركه والتساهل فيه وغض الطرف عنه يجعل سفينة المجتمع تغرق لا قدر الله! وهذا يجعل من دعاة الإصلاح وربان هذه السفينة أن يسعوا لوأد الشر في مهده وعلاجه حتى لا يستشري.