للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإجازة الصيفية ومهمة المسلم في الحياة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائم على كل نفس بما كسبت، والرقيب على كل جارحة بما اجترحت، والمتفضل على عباده بنعمٍ توالت وكثرت، سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا الأرض تحركت أو سكنت، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الذي تمت ببعثته النبوة وختمت، وسطعت به أنوار الشريعة وكملت، وعلت به راية الملة وارتفعت، وحيرت معجزاته العقول وبهرت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين زكت نفوسهم وطهرت، وعلت هممهم في نصرة الدين وانتهضت، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تلاحمت الغيوم وانسكبت، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- فما للنفوس لا تتزود من التقوى وهي مسافرة؟!

وما للهمم عن ركب المتقين فاترة؟!

وما للألسن عن شكر نعم الله قاصرة؟!

وما للعيون إلى زهرة الدنيا الفانية ناظرة، وعن طريق الهداية الواضحة حائرة؟!

ألا فاتقوا الله ربكم، وعظموا نواهيه وأوامره، وتدبروا آياته؛ فكم فيها من موعظة وعبرة زاجرة!

أيها المسلمون: متى ما استمسكت الأمة بعقيدتها وثوابتها؛ صلحت أحوالها، واستتبت أوضاعها، وتلاشت عن مجتمعاتها الظواهر المخالفة لدينها.

ومتى فرطت في إسلامها، وأرخت الزمام لأبنائها يخبطون خبط عشواء في دخيل الأفكار، وهزيل المناهج، ومستورد الثقافات، وانفتاح على العالم دون ضوابط شرعية وآدابٍ مرعية؛ تفشت بينها الظواهر المخالفة لشريعتها، مما يترك آثاراً سلبية على أفرادها ومجتمعاتها, ويحتاج إلى التصدي والعلاج من قبل الغيورين عليها، والمهتمين بشئونها وأوضاعها.

معاشر المسلمين: ظاهرة اجتماعية مؤرقة وكبيرة، وقضية تربوية مهمة وخطيرة؛ هي برسم الخطط والمناهج وإعداد الدراسات والبرامج لتأصيلها والعناية بها حفية وجديرة، تلكم هي ما يحصل في مثل هذه الأيام من كل عام، حينما تشتد حرارة الصيف، ويلقي بسمومه اللافحة على بعض أقطار المعمورة، مما يحمل كثيراً من الناس على الهروب إلى المصائف والمنتزهات، والفرار إلى الشواطئ والمنتجعات، والعزم على السفر والسياحة، وشد الأحزمة للتنقل والرحلات.

يوافق ذلك فرغ من الشواغل، وتمتع بإجازة صيفية يقضيها الأبناء بعد عناء عام دراسي كامل، وحيث قد أعد كثير من الناس برامج لشغل إجازاتهم، وقضاء وقت فراغهم، وكثير منهم قد حزم حقائب السفر أو سافر فعلاً.

يترجم ذلك الكم الهائل المتهافت على مكاتب الحجوزات والمطارات للسفر عبر الأجواء والمحيطات، في مراكب تمخر عباب الجو والبحر والفيافي لشتى القارات، وقد أعد هؤلاء وأولئك أمتعة الترحال إلى هنالك وهناك.

لذا أستلطفكم -يا راعاكم الله- لنضع هذا القضية على الميزان الشرعي، ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع إلماحة يسيرة إلى واقع بعض الناس فيها، وبيان الآثار السلبية عند غياب الضوابط الشرعية، لهذه القضايا الواقعية، وذلك عن طريق هذه المحاور الموجزة المهمة.