للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستمرار على العبادة حتى الموت]

الحمد لله الذي أتم إحسانه على عباده المؤمنين، وأفاض من رحماته على المذنبين، أحمده سبحانه وأشكره على جوده وفضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخِرين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا لله ربكم، وأطيعوه في سركم وعلنكم، وراقبوه في جميع زمنكم، واشكروه أن وفقكم لإكمال شهر الصيام، فلقد مضى وانقضى، وهو شاهد للمحسنين بإحسانهم، وعلى العاصين بعصيانهم، اللهم اجعله شاهداً لنا وشفيعاً، ولا تجعله حجة علينا يا رب العالمين!

عباد الله: ودَّع المسلمون شهر رمضان المبارك، بعد أن صاموا نهاره، وقاموا ما تيسر من ليله، وأقبلوا على تلاوة كتاب الله، ولازموا فعل الخيرات، وعمل الصالحات قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:٣٠].

إنه إنْ ودَّع المسلمون أيامَ هذا الشهر الكريم، فينبغي ألا يودِّعوا ما أودَعوا فيه من الأعمال الصالحة؛ وذلك يكون باستشعار آثار الصيام على الفرد وعلى الأمة.

فالتقوى! تلكم الكلمة الجامعة التي ختم الله بها آية الأمر بالصيام، يجب ألا يُغفَل عنها بعد انقضاء شهر الصيام، وأن تبقى شعاراً لأعمال الأفراد والأمم، إن ما يعطيه الصيام من دروس في الصبر والتضحية والوحدة والمواساة، والتضامن والإخاء والألفة والمودة، والعطف وغيرها، يجب أن يستمر عليها المسلمون، وأن تُرى متمثلةً في حياة الأمة الإسلامية، وما تدنَّى واقعُ الأمة إلا لَمَّا جعلت للطاعة وقتاً وللمعصية أوقاتاً، وللخير والفضيلة زمناً، وللشر والرذيلة أزماناً، عند ذاك -يا عباد الله- لم تعمل مناسبات الخير ومواسم الرحمة والبر عملها في قلوب الناس، ولم تُجْدِ في حل مشكلات الأمة، والإصلاح من حالها، والرفع من مستواها.

إخوة الإسلام: إن استقامة المسلم على عبادة الله ليس لها غاية إلا الموت، فلا تخصَّص بزمان ولا مكان، ولا مرحلة من العُمُر، قال الحسن البصري رحمه الله: لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت، ثم قرأ قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩].

فاحذروا -إخوة الإسلام- الرجوع إلى المعاصي بعد رمضان، فالإله الذي يُصام له ويُعبَد في رمضان هو الإله في جميع الأزمان، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فإذا انسلخ هجروا المساجد، واعتزلوا المصاحف، وأعرضوا عن طاعة الله عزَّ وجلَّ، وأقبلوا على معاصيه.

أيها المسلمون: اتقوا الله ولا تهدموا ما بنيتم في شهر رمضان من الأعمال الصالحة، فإن من علامة قبول الحسنة: إتباعها بالحسنة، ومن أمارات ردها: إتباعها بالسيئة.