للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحج دعوة إلى تصحيح العقيدة]

ومن يتأمل حال كثير من المسلمين من الحجاج وغيرهم، يجد أن كثيرين منهم يحتاجون إلى إعادة بناء للأصل الذي بني عليه هذا الدين، وهو العقيدة الصحيحة التي تستقى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتؤخذ مما عمله سلف هذه الأمة وساروا عليه في القرون الثلاثة المفضلة.

فما يفعله كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام من مناقضة هذا الأصل، والوقوع فيما يخالفه جملة وتفصيلاً، من التوجه إلى غير الله جل وعلا، وسؤال غير الله سبحانه ما لا يقدر عليه إلا الله، والاستعانة بغير الله سبحانه، وطلب المدد وقضاء الحوائج وتفريج الكروب من الأموات والأحياء، أو من الملائكة والأنبياء، وهذا موجود في بقاع كثيرة من البقاع التي تنتسب إلى الإسلام وتظهره وتتسمى به.

إن أولئك مدعوون أن يجدّدوا هذا الأصل، وأن يسيروا على طريق صحيح في هذا المجال؛ لأنه القاعدة التي تبنى عليها عبادات الإسلام، وتبنى عليها جميع الأمور، فإذا صلحت صلح سائر الأعمال، وإذا فسد فسدت سائر الأعمال فقد قال الله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨] وقال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣] وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

فالحج يا إخوة الإسلام! دعوة إلى تصحيح العقيدة، ودعوة إلى أن يلتزم المسلم عقيدة الإسلام، ومن يتأمل آيات الحج في كتاب الله وشعائر الحج، والعبادات التي يعملها المسلم في حج بيت الله الحرام، يجد أنها كلها تقرر هذا القاعدة قال الله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج:٢٦].

ومن يتأمل الآيات -كلها في كتاب الله- التي تتحدث عن هذه الفريضة العظيمة يجد أنها تحوم حول تقرير هذه القاعدة {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج:٣١] {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج:٣٤].

وما إلى ذلك من النصوص التي تربط المسلم بوحدانيته لله، وأنه لم يقرر الحج أصلاً ولم يفرض في شريعة الإسلام إلا ليتوجه المسلمون إلى ربهم وحده، لا يتعلقون بغيره، ولا يلتجئون إلى سواه، يعلنونها صريحة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

كل ذلك يقرر نفي الشريك عن الله وتصحيح العقيدة التي أمر الناس أن يتنبهوا لها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله} فهل استشعر المسلمون وهم يؤدون هذه المناسك من طواف، وسعي، وذبح، ورمي، وما إلى ذلك من الأمور؟ هل استشعروا أن كلها تحوم حول تحقيق العقيدة وحول صحة العقيدة، وربط المسلم بالله الواحد القهار لا شريك له جل وعلا؟