[الآثار السلبية للشائعات]
كم كان للشائعات آثارها السلبية على الرأي العام، وصناع القرار في العالم.
وكم كانت سبباً في أن يصرف الأعداء جبهة الأمة الداخلية عن مشكلاتها الحقيقية؛ لإغراقها في مشكلات مفتعلة، علاوة على تمزيق الوحدة الإسلامية، والعمل على تفتيت الجبهة الداخلية.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثير للاضطراب والفوضى في الأمة، وقد يكون شراً من مروجي المخدرات، فكلاهما يستهدف الإنسان، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى.
وإنك لتأسف أشد الأسف ممن يتلقى الشائعات المغرضة، وكأنها حقائق مسلمة، يجلس أحدهم الساعات الطوال أمام أجهزة الشبكات المعلوماتية بوجهها الكالح وما يعرف بجهاز الإنترنت، عبر مواقعه المشبوهة، فيلطخ سمعه وبصره من الشائعات الباطلة، وتلفيق التهم الصفيقة، مما تجفل القلوب من مجرد سماعه، وتتحرج النفوس المؤمنة من مطالعته فضلاً عن البوح به، وما درى من هم هؤلاء الجبناء خفافيش الظلام!
إنهم أدوات في أيدي ما يعرف بـ اللوبي الصهيوني العالمي، ضد أمن الأمة ومجتمعاتها الإسلامية.
وإنه ليخشى ممن أدمن النظر فيها، أن يخسر دينه ودنياه وآخرته، وأن يلتبس عليه الحق بالباطل؛ فينحرف عن جادة الصواب والعياذ بالله، وهل يجوز لنا ويليق بنا نحن أهل الإسلام أن نتخلى عن شيء من ثوابتنا؟ أو أن تهتز بعض قناعتنا؟ أو أن نظن غير الحق بأحد من علمائنا، وفضلائنا بمجرد وشاية كاذبة أو شائعة مغرضة؟ أين عقولنا وتفكيرنا؟ بل أين ديننا وإيماننا أن نتلقف كل شيء تحت شعار قالوا وزعموا؟!
يقول الإمام الذهبي رحمه الله: ولو أن كل عالم تركنا قوله بمجرد خطأ وقع فيه، أو كلام الناس فيه ما سلم معنا أحد، ونعوذ بالله من الهوى والفظاظة، فالله المستعان.
عباد الله: ومن هنا تدركون -يا رعاكم الله! - خطورة هذه الحرب ضد دين الأمة وأمنها ومجتمعاتها مما يتطلب ضرورة التصدي لها وأهمية مكافحتها، والتخطيط لاستئصال جرثومتها، حتى لا تقضي على البقية الباقية من تماسك المجتمع وتلاحم أفراده، وواجب علماء الأمة ودعاتها وطلاب العلم فيها وشبابها في ذلك كبير وعظيم، فإنهم مستهدفون فعليهم أن يدركوا أبعاد المؤامرة، وأن لا يكونوا ميداناً خصباً لتواجدها وانتشارها بينهم، وأن يحرصوا على التثبت والتبين، وأن يحذروا مسالك التأويل والهوى، واتباع المتشابه، وأن يقفوا في الأحداث على علم وبصيرة، ويكفوا ببصر نافذ ونظر ثاقب وحسن ظن، بعيداً عن إيغار الصدور، وبث الشائعات والشرور، معتصمين بالكتاب والسنة، متخذين من موقف السلف الأنموذج عند الفتن.
الأمة مطالبة كلٌ في مجاله، للقضاء على هذه الظاهرة التي لها آثارها المدمرة ضد أمن الأمة واستقرار المجتمع، كما أن على البيت والمسجد والأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام دوراً كبيراً في الحفاظ على سلامة المجتمع من شرورها وأخطارها، بدءاً بالوعي وتقوية الوازع الإيماني، وتبيين الحقائق ونشرها، وعدم التساهل في نقل الكلام وبث الأنباء، لا سيما في أوقات الأزمات، وعدم التهويل والإثارة في التعليقات، والمبالغة في التحليلات المشبوهة، وإيجاد صيغة علمية، وآلية عملية، للحوار الحضاري والموقف السليم في الأحداث والمتغيرات، واختلاف الظروف والمستجدات، بإخلاص وصدق وشفافية، دون تزييف أو التواء؛ رفعاً للروح المعنوية، وبعداً عن الخور والضعف والانهزامية، كما قال سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٣ - ١٧٥].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه كان حليماً غفوراً.