للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب الحجاج بعد حجهم]

الذي يظهر لي أن موضوع الإخوة الذي رغبوا في الحديث عنه هو ما يناسب الحال، وهو أننا نعيش في هذه الأيام قرب إنهاء موسم الحج؛ فيحتاج الحجاج وغيرهم أن يذكّروا بالواجب عليهم بعد حجهم، وهل ينتهي الواجب عليهم بعد أداء هذه الشعائر أم أن رسالة الإسلام باقية ما بقوا على قيد الحياة؟

لا ريب أن حمل رسالة الإسلام والعمل به وبأركانه وواجباته، وحمل رسالة الدعوة ومعارف هذا الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والعمل الصالح مطلقاً لا ريب أنه يصاحب المسلم في حياته كلها، والإنسان لا يعمل أعمالاً ولا يقول أقوالاً إلا وقد نظر الإشارة الشرعية لأقواله وأفعاله، وتأمل النصوص والأوامر التي إن استقام عليها فتكون استقامته استقامة صحيحة، قائماً بما جاء به كتاب الله ومتبعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن من يقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى ويتأمل النصوص والأوامر الإلهية التي وردت فيه، يجد أنها تذكر المسلم بالحكمة النبيلة والغاية السامية التي أوجد من أجلها في هذه الحياة، ليعلم معناها ويعمل بمقتضاها، ألا وهي عبادة الله جل وعلا، يقول سبحان: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ويقول جل وعلا: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] وقال سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:٧] {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:٧] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:١١٥] كل هذه النصوص -وغيرها كثير وكثير- تشد المسلم بالغاية، وتربطه بالمنهج الذي خلق في هذه الحياة من أجله، ذلكم المنهج الذي ينبغي ألا يغيب عن المسلم طرفة عين، وأن يختلط في جسمه وروحه، ويسري فيها سريان الدم في جسمه.

فإذا كان الدم إذا انتهى انتهى الإنسان، وإذا كان القلب وهو الشريان المتدفق إذا وقف نبضه وقف الإنسان عن هذه الحياة ومات، فكذلكم الأعمال الصالحة فإنها بمثابة المحرك للمسلم في هذه الحياة، والمسلم عليه أن يستشعر عبادة الله وطاعته والعمل الصالح مدة حياته، يقول سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

فهذه النصوص تدل المسلم وترشده على أن مقامه في هذه الحياة كلها ينبغي أن يكون بطاعة الله، بما يقرب إلى الله من العمل الصالح الذي توفر فيه إخلاص العمل لله، الصواب على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن يفهم المسلمون أن الإقبال على الله، وعبادة الله سبحانه وتعالى والالتجاء إليه والعمل بشرعه أن ذلك كله محصور بسويعات قليلة وأيام معينة؛ فذلك من سوء فهمنا لشعائر ديننا، ومن سوء فهم المسلمين الذين يفعلون هذه الأفعال لمقتضى نصوص الشرع المطهر.

وهذا -والعياذ بالله- من إغواء عدو الله الشيطان لكثير من المسلمين؛ فصدهم عن دينهم، ولقد عمل وسعى جهده -أعاذنا الله من حبائله وتلبيساته- أن يضل الناس كلهم عن المنهج الذي خلقوا للسير عليه، وعن السنة التي ألزم العباد بالسير على ضوئها دون زيادة ولا نقصان، فكثير من الناس ممن وقعوا في حبائل الشيطان أبعدوا عن هذا الدين، وصدوا عنه صدوداً كبيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودليل ذلك أن فئاماً من البشر ومجموعات كثيرة ممن ينتسبون إلى الإسلام جهلوا حقيقة الإسلام، وأصبحوا يعملون أعمالاً تناقض الإسلام، بل تهدم الإسلام عياذاً بالله.