للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قضية الوحدانية]

قضية الربوبية {وَاعْبُدْ رَبَّكَ} [الحجر:٩٩] هذا فيه تجريد العبادة لله عز وجل، العبادة ذلك الشرف العظيم الذي أمرنا به، والذي خلقنا الله عز وجل لتحقيقه ينبغي أن تكون لله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل الخالق الرازق، المنعم المتفضل، المحيي المميت الذي بيده أزمة الأمور كلها، مالك النفع والضر سبحانه وتعالى، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، هو الله عز وجل الذي ينبغي أن يعبد، هو سبحانه وتعالى الذي ينبغي أن يوحد قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ} [الحجر:٩٩] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء:١] فالعبادة محض حق الله سبحانه وتعالى، فالربوبية مجالها عظيم، وهي إفراد الله عز وجل بأفعاله هو بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والنفع والضر، فلا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، وينبني على ذلك قضية الألوهية التي هي قضية أنه مادام أيقنا واعتقدنا وآمنا أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق، فيجب علينا أن نوحده، ويجب علينا أن نعبده حق عبادته، ينبغي علينا أن نفوض الأمور كلها إليه.

ولهذا لا يجوز للناس أن يلتفتوا إلى غير الله، لا ملجأ من الله إلا إليه، المخلوق الضعيف مشغولٌ بنفسه، عاجزٌ عن إدراك مصالحه حتى يحقق مصالح غيره، ينبغي أن نلتجئ إلى من بيده قلوب الناس جميعاً فلا نلتجئ ولا نستعين بمخلوق ضعيف مثلنا، بل نلتجئ إلى الله الخالق الرازق القادر جل وعلا، والإنس والجن يعجزون، الإنس والجن لا يستطيعون دفع ضرر، أو جلب نفع، ولا يملك ذلك إلا الله جل وعلا وحده، فينبغي أن تكون عقيدتنا وإيماننا مبدؤنا وثقتنا بالله عز وجل فوق كل شيء، وهذا في الحقيقة هو ما يميز أهل الإسلام، لما جعلت الجاهليات المعاصرة والحديثة من الإنسان، إما حيواناً ناطقاً، أو حيواناً صامتاً كما في النظرية الداروينية الجاهلية الإلحادية، ولما وضعت الأديان المحرفة من الإنسان مكبلاً بالخطيئة الموروثة التي فعلها آدم لما كان سبباً في هبوطه من الجنة إلى الأرض، وكان الإنسان عندهم مكبلاً بالأحزان والأوهام والخيالات والضلالات، أعز الله الإنسان وشرفه، وأعلمه قدره ومكانته، ورزقه من الطيبات، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.

إذاً: فالله عز وجل الذي خلقنا ورزقنا فلماذا نلتجئ إلى جمادات، أو إلى بشر ضعاف لا يستطيعون جلب نفع، أو دفع ضر، من الذي يملك الخير للناس ودفع الشر عنهم إلا الله، لما أصيبت الأمة بالحوادث والكوارث، لم يكن مخلصاً منها إلا الله عز وجل وحده قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:١٧] وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} [يونس:١٠٧] فالوحدانية لله والربوبية لله، فينبغي أن تكون هاتان القضيتان من القضايا المهمة في حياة المسلمين، وينبغي ألا تشغله قضايا المال، وقضايا الأعمال، وقضايا الوظيفة عن تحقيق هذا الأمر، فإيقاننا واعتقادنا ويقيننا بالله عز وجل وإيماننا به يبعث فينا الضمير الذي يراقبه جل وعلا في كل لحظة، ولهذا أمر الإخلاص لله، وأمر أداء الأمانة، والقيام بالمسئوليات على الوجه الشرعي كما يريد الله، وكما أمر الله عز وجل هذه قضية لا يقوم بها إلا من حققوا الإيمان، ولهذا لو علمت الجاهليات وعلمت النظم الأرضية اليوم ما يفعل الإسلام في تحقيق الرقابة الذاتية، وفي تكوين الشعور والإيمان الذي يجعله يراقب الله عز وجل، ويبعثه على مراقبة الله عز وجل، ويعتقد أن الله سيحاسبه، لو علمت ذلك، لربت شعوبها على الإيمان، فإذا أوجدنا الجيل المؤمن والفرد المؤمن، كسبنا القيام بأعمالنا على الوجه الصحيح؛ لأننا نطمئن أن صاحب الإيمان سيراقب الله.

وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفس داعيةٌ إلى الطغيان

فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تخفي عليه يغيب

أفيظن أصحاب المعاصي، وأصحاب الانحرافات، والذين يخلون بما حرم الله عز وجل من سماع محرم، ومن نظر محرم، ومن قراءة محرمة، ومن ممارسة محرمة في أفعال وأقوال أبعدت القلوب عن خالقها وبارئها ورازقها، أفيظنون أن الله لا يراهم، ولا يطلع عليهم، ولا يراقبهم؟! قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

ينبغي أن نُكَون هذا الشعور في نفوسنا، وأن نعلم أن رقابة الله عز وجل ينبغي أن تكون شعاراً لنا وديدناً لنا في كل عمل نقوم به، وفي كل لفظ نتلفظه، لو وجد الجيل المراقب لله، لما وجدت من يعصي الله، لما وجدت من يخل بالعمل، لما وجدت من يقع في الظلم والغش والتزوير والتدليس، لما رأيت من يواقع معصية، لما رأيت امرأة تخالف شرع الله وتقع فيما حرم الله عز وجل، لما رأيت رجلاً يقع في أي أمر حرمه الله عليه.