للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حق الله على العبد]

أمة الإسلام: يقول ربكم تبارك وتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥] ويقول جلَّ وعزَّ: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:٣٦].

إنه لا يمكن أن تخلو حياة الإنسان عن العبث والفراغ؛ إلا إذا أدرك حق الله عليه، وقام به على أكمل وجه، وأحسن صورة، عند ذلك لا يَزِل ولا يَضِل ولا تتفرق به السبل، ولا تتشعب به الطرق، ولا تلتوي به المسالك والأهواء، بل يُخْضِع كل شيء لله وحده، وينقاد لأمره، ويصبغ حياته كلها وَفق منهج الله سبحانه، ولا يجعل ساعة لنفسه وساعة لربه، ويوماً للرحمن وآخر للشيطان، وعملاً لمولاه وآخر لهواه، بل كل ساعاته وأيامه لله كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

فالعقيدة والعبادة، والعلم والعمل، والفكر والنية، والشعور والإرادة، والسكون والحركة، حلقات متسلسلة تدور ليحقِّق المسلم من خلالها معنى الطاعة الكاملة لله، ويؤدي الحق الذي لله عليه، فإذا انقاد لأمره، وأذعن لحُكمه، ولم يقدم بين يديه ورسوله، واتبع بصدق وإخلاص نحو الغاية من خلقه، كان مؤمناً حقاً ومسلماً صدقاً، يعرف حق الله عليه، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، وحق إخوانه المسلمين، لا تنأى به عن تلك الواجبات أهواءُ النفس، ونزغاتُ الشيطان، ولا تصرفه عنها مطالب الحياة، وشواغل الدنيا، ولا تصده عنها أفعال الناس المخالفة لمنهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولو كثرت واستحكمت، فالدين ما شرع الله وجاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وتسليماته عليه.

إخوة الإيمان: أعَرَفْتُم بعد ذلك حق ربكم عليكم، ومقدار ذلك الحق، وأطره الواسعة، وأوقاته المطلقة، وأزمانه العامة.

إن حق الله على عباده يتلخص في: القيام بعبادته والبُعد عن الإشراك به قال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:٣٦] وقال جل في علاه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١ - ٢٢].

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله حول هذه الآية ما خلاصتُه: شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته؛ لأنه تعالى هو المنعم على عبيده، بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة.

ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها، ورازقهم؛ فبهذا يستحق أن يُعبد وحده، ولا يُشرك به غيره، وبهذا قال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢].

وفي الصحيحين: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً}.