للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام الشيخ عبد الرزاق ببناء المساجد]

ومنذ كان الشيخ رحمه الله في مراحله العليا، يمتزج معه روح العلم والعمل والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فلم يكن مقتصراً على العلم فقط، وإنما كان يحرص على العلم والعمل وعلى التعليم أيضاً، وعلى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهو في قريته وبعد التحاقه بالأزهر، كان رحمه الله حريصاً على الدعوة إلى الله، مركزاً على ما يحتاج إليه مجتمعه آنذاك، وهذه غاية معرفة بيئة الداعية لعصره وفقهه لواقعه الذي يعيشه، فالشيخ رحمه الله وُجِد في عالَمٍ يموج في كثيرٍ منه بالبعد عن الله عز وجل وبالوقوع في معتقداتٍ تخالف العقيدة الصحيحة، وبالوقوع في الشركيات والبدع وعبادة القبور والخرافات، فكان رحمه الله داعيةً إلى التوحيد وهو في مقاعد التحصيل والعلم والدراسة، وكان له في ذلك أسلوبٌ حسن.

ومن أساليبه رحمه الله في الدعوة إلى الله أنه كان في قريته حريصاً رحمه الله على أن يبني المساجد، وعلى أن يسهم فيها، وأن يوجد في كل مكانٍ من قريته مسجداً يجتمع فيه الناس ويؤدون فيه شعائر الإسلام، ولم يكُ ينظر إلى أن يؤدى فيه شعائر الإسلام فقط، وإنما رأى أن ذلك من رسالة المسجد التي ينبثق منها العلم والتعليم والدعوة إلى الله، وما المسجد إلى بمثابة قلعةِ إيمان وحصنِ فضيلة، ومحلٍّ للدعوة إلى الله وإشعاع النور في بيئةٍ تموج فيها الخرافة والعقيدة المخالفة لعقيدة أهل السنة رحمهم الله.

فكان الشيخ رحمه الله حريصاً على عمارة المساجد، حتى يذكرون عنه أنه لا يرى صاحب عمارة إلا ويعرض عليه أن يجعل جزءاً منها مسجداً يجتمع فيه المصلون، وكما قلتُ لكم: كان ينظر إلى المسجد على أنه يؤدي رسالةً في التعليم والدعوة عن طريق الخطابة، وعن طريق الدروس، وعن طريق الندوات والمحاضرات.

ويذكرون من لطائف ما يُذكر عنه في حسن أسلوبه في الدعوة وهو صغير عليه رحمة الله: أنهم كانوا قد عزموا على بناء مسجد في قريتهم، وكان بجانب المسجد مقهى، وكان صاحب المقهى لا يريدُ لهؤلاء أن يبنوا هذا المسجد، فما كان منه إلا أن عمل خصاماً مع جماعة المسجد، وقام أهل المسجد كلهم يريدون أن يمسكوا بتلابيبه، فما كان من الشيخ رحمه الله إلا أن قال: دعوا أمره إليَّ، فذهب إليه -رحمه الله- وهو في سنٍ مبكرة، لكنه كان حريصاً على الدعوة إلى الله وعلى منهج الدعوة الصحيح بالرفق والأسلوب الحسن والحكمة التي هي أحسن، والموعظة الحسنة.

فذهب هو ومجموعةٌ قليلةٌ من أهل المسجد ووجهائه إلى صاحب المقهى في مقهاه، وسلموا عليه وجلسوا معه، وأشعروه بالأمان، وأنهم لا يريدون أن يدخلوا معه في خصام، وأنه ابن هذه البلدة التي عُرفت بالدين وعمارة المساجد وما إلى ذلك من الأمور، فتحدث الشيخ معه حديثاً موجزاً وجماعة المسجد ينتظرون من صاحب المقهى أن يضرب الشيخ أو يوقع فيه إيذاءً بأي أنواع الأذى، لكن ما كان من هذا الرجل وقد ذهبوا إليه في وقت المساء، إلى أن أتى معهم ليؤذن في هذا المسجد الذي سعى إلى إغلاقه وعدم السماح ببنائه بجانب مقهاه، فرجع هذا الذي كان مؤذياً للدعوة ومؤذياً لأهل الخير، رجع مؤذناً للمسجد، ولعل هذا من حكمة الشيخ رحمه الله، فأتاه بأسلوبٍ حسن، وعرض عليه هذا الأمر ولعله قبل، وهذا ينبغي أن يتفطن له أهل الخير والفضل والدعوة والإصلاح.