للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب إقامة الصلاة بخشوع]

الحمد لله الذي جعل لكل شيء عماداً، وجعل الصلاة لنا ذخراً وزاداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، فلا شركاء له ولا أنداداً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أكمل الأمة إيماناً وصلاةً، وأعظمها عبادةً وجهاداً، صلى الله وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً تامَّين متلازمَين لا نحصيهما أعداداً، وعلى آله وأصحابه إلى يوم يبعث الناس زرافاتٍ وفرادى.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وعظموا شعائر دينكم، واستحضروا فيها عظمة بارئكم جل وعلا، وفرغوا قلوبكم من الشواغل الدنيوية، والعلائق المادية، وأقيموا صلاتكم بقلوبٍ حاضرة خاشعة.

واعلموا -يا رعاكم الله- أن أكبر ما يعين على ذلك حضور القلب فيها، واستشعار عظمة وجلال الخالق جل وعلا، وتفريغ القلوب من الصوارف عن الله والدار الآخرة، والتخفف من مشاغل الدنيا، وعمارة القلوب بالإيمان، وسد مداخل الشيطان على الإنسان.

ومما يعين على ذلك أيضاً: قَصْرُ النظر على موضع السجود، ووضعُ اليد اليمنى على اليسرى حال القيام، والتدبرُ فيما يُقْرأ بالقرآن وفيما يُرَدَّد من الأدعية، وعدم الالتفات، ومراعاة الطمأنينة، والحذر من العجلة ومسابقة الإمام، والعبث والحركة، كل ذلك مع توفيق الله عز وجل من الأسباب التي تعين المسلم على إقامة الصلاة كما شرع الله، وكما سن رسوله صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة في الله! إن من الظواهر الجديرة بالمعالجة والتي لها أثر كبيرٌ في انصراف المصلين عن الخشوع في الصلاة: ما قذفت به المدنية المعاصرة من وسائل الاتصال الحديثة، كالهواتف المتنقلة التي بُلِي بها كثيرٌ من الناس، فيصطحبونها في صلواتهم ومساجدهم وهي تسبب أذىً وإزعاجاً للمصلِّين، فأي خشوعٍ عند هذا المصلي عفا الله عنه، الذي يقطع حلاوةَ إقباله على ربه ولذيذَ مناجاته لخالقه رنينُ هاتفه المتكرِّر، فيُشْغِل نفسَه ويؤذي غيره؟!

فهل هؤلاء الذين جاءوا إلى المسجد مصطحبين هذه الأجهزة مفتوحة جاءوا مصلين أم ماذا؟!

ألا فليتقِ الله أولئك في صلاتهم، وليحذروا من إيذاء إخوانهم المصلين، وانتهاك حرمة بيوت الله، ومتى علم الله من عبده الرغبة في الخير وفَّقه له وأعانه عليه، ولو أن المسلمين اليوم أدوا هذه الصلاة كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانت بتوفيق الله انطلاقةً جادة لإصلاح أوضاعهم، وتغيير أحوالهم وسلامة مجتمعاتهم، وطريقاً إلى النصر على أعدائهم، وتحقيق ما يصبُون إليه في دنياهم وأخراهم؛ لأن في تطبيق شعائر الإسلام السلاح القوي، والدرع الواقي من كل مكروه بإذن الله؛ لأن الدافع إليه قوة الإيمان، وصدق اليقين، والشوق إلى الآخرة.

ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على إقامة صلاتكم؛ فإنها نور لكم في الأرض، وذخرٌ لكم في السماء، وإن المتأمل في آيات التنزيل لَيَجِدُ أن الأمر بالصلاة يأتي دائماً بأسلوب الإقامة، وفي ذلك زيادةُ معانٍ على مجرد الأداء، لأن الإقامة تعني: الإتمام والعناية، وإن مسئولية المصلين لَعَظِيمة بالنسبة لأنفسهم تعاهداً لها وعناية بها، وبالنسبة لغيرهم من معارف وأقارب وأبناءٍ وجيران؛ من حيث أمرهم ونصحهم في هذا الموضوع المهم كما قال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢] وعلى أئمة المساجد دورٌ كبيرٌ في ذلك؛ لأنهم يضطلعون بمهمة كبرى، فعليهم أن يقوموا بها عنايةً وتفقيهاً بأحكامها وحكمها كما قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري: {صلوا كما رأيتموني أصلي} ولابد من تحقيق التعاون بين الأئمة والمأمومين، وذلك بقيام كلٍّ برسالته؛ لتتحقق النتائج المرجوة بإذن الله.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير مَن أقام الصلاة، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، كما أمركم بذلك الرب المعبود، فقال تعالى قولاً كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملحدين وسائر أعداء الدين.

اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا.

اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى.

اللهم كن له على الحق مؤيداً ونصيراً، ومعيناً وظهيراً.

اللهم هيء له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.

اللهم يا قوي يا عزيز! يا ذا الجلال والإكرام! نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن تنصر إخواننا المجاهدين والمضطهدين في دينهم في كل مكان.

اللهم انصرهم في فلسطين، وكشمير، والشيشان، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين!

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.