[التذكير والتواصي بين المسلمين]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بادئ ذي بدء أشكر الله عز وجل على ما منَّ به عليَّ وعليكم من هذا اللقاء الطيب المبارك الذي نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحقق النفع منه إنه جواد كريم، فلا يخفى عليكم أيها الإخوة الأحبة! أهمية أمثال هذه اللقاءات؛ لأنها منطلقة من قول الحق تبارك وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥] وقوله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] وقوله تبارك وتعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣].
فالتعاون والتواصي بالحق والصبر عليه سمات عظيمة من أهم سمات أهل الإيمان، ينبغي على جميع المسلمين العناية بها، وما هذه المحاضرات القيمة التي يقوم عليها وبها طلاب العلم والعلماء والمشايخ إلا من باب التعاون على البر والتقوى، بل هي في الحقيقة من أهم الجوانب التي يطلق عليها هذا التعاون، فالتعاون ليس إسداء أمر مادي فقط، وإنما نصح إخوانك ونصح نفسك أولاً، وإرشادهم وتذكيرهم بالواجب عليهم، وهذه الجلسات الإيمانية التي هي تذكير للغافل، وتنبيه للعالم والجاهل علهم يحاسبون أنفسهم، ويراجعون ربهم، ويوثقون الصلة به سبحانه.
أثني بالشكر للإخوة الأحبة في الخطوط السعودية، لا سيما المسئولون عنها نسأل الله تعالى لهم كل توفيق، ونسأله تعالى أن يعينهم على ما حُمِّلوا، ونسأله جل وعلا أن يجعلهم خير من يقوموا على هذا الثغر المهم الذي له أبعاده وآثاره وأهميته لهذه البلاد وخارج هذه البلاد؛ لأنه في الحقيقة ثغر مهم ينبغي أن يمثل واجهةً إسلاميةً جيدةً تنم عن تمسك أهل هذه البلاد بعقيدتهم، واعتزازهم بدينهم، فنسأل الله تعالى أن يجعل من هؤلاء المسئولين خير من يمثل هذه المسئولية العظيمة، وإنهم لفاعلون إن شاء الله، وأخص بالشكر في الخطوط السعودية إخوتنا الفضلاء في لجنة التوعية الإسلامية، نسأل الله تعالى أن يثيبهم على جهودهم، وأن يجزيهم على جهودهم، وأن يجزيهم خيراً على ما قدموا.
والحق أني لا أكتمكم أني تأثرت بالغ التأثر بالحفاوة والإكرام والتقدير الذي لمسته منهم في خطواتي إلى هذا المكان، فقد لمست فيهم من يمثل الإسلام حقيقة نحسبهم كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، استقامة في السلوك، وحسن أخلاقٍ في المعاشرة، وليس هذا بغريب على أبناء التوحيد، وعلى أهل العقيدة، وعلى أهل المعادن الأصيلة كرماً ورجولةً وقوة معدن، فنسأل الله تعالى أن يثيبهم على هذه المحاضرات، وهذه الندوات التي يحرصون عليها، وهي في الحقيقة أهلٌ لأن يحرص عليها.
واسمحوا لي أن أقول لكم: إن الواجب على إخوتنا في التوعية الإسلامية أكبر مما يقومون به، وإن كانوا ولله الحمد والمنة يقومون بجهود موفقة في هذا، لكن المسئولية عظيمة، والواجب كبير؛ لأننا بحاجة إلى الخطوط المعنوية التي تصلنا بعقيدتنا، تصلنا بمثلنا وقيمنا، تربطنا دائماً بمبادئنا الإسلامية القويمة، وأي انحراف عن هذا الخط العظيم، فإنه في الحقيقة مدعاة إلى التعثر في الخُطا، ومدعاة إلى أن يحصل لمن وقع في الانحراف ما لا تحمد عقباه.
فهذه المحاضرات والندوات هي في الحقيقة طبٌ يعالج كل مظهر من مظاهر المخالفات لدين الله، كما أنها غذاءٌ يشحن الإنسان بما يحتاجه في دينه ودنياه وأخراه، ونحن نعلم في زحمة الحياة المادية حاجتنا إلى مثل هذه المحاضرات، وإلى هذه الندوات التي فيها قال الله وقال رسوله، وتبين للناس ما يجب عليهم، وترشدهم إلى ما قصروا فيه، فالكمال لله وحده، والخطأ من طبع البشر، فجزى الله إخوتنا في التوعية الإسلامية خيراً، وإلى الأمام سيروا في الإكثار من هذه المحاضرات، وإنني بالأصالة عن نفسي والنيابة عن زملائي وإخواني ومشايخنا سواء في مكة، أو في غيرها من أرجاء هذه البلاد المباركة نشجعكم ونعينكم، ونجعل من استجابتنا التي هي في الحقيقة واجبٌ علينا، وليست تفضلاً منا، بل هي واجب؛ لأن الواجب علينا في البلاغ والدعوة والبيان والإرشاد عظيم جداً، وأنا أقول: إننا بحول الله وقوته، وبعونه وتوفيقه يجب علينا ألا نألو جهداً في تشجيعكم ودعمكم كل ذلك في محيط ما تمليه علينا شريعتنا الغراء، وما يوجهه لنا ولاة أمرنا وفقهم الله إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.