أيها الإخوة المصلُّون! إن المصلي حقاً من يقيم الصلاة كاملة الفرائض والأركان، مستوفية الشروط والواجبات والآداب، يستغرق فيها القلب، ويتفاعل من خلالها الوجدان، ويحافظ عليها محافظةً تامةً قدر الطاقة، يبعثه على ذلك قلبٌ يقظ، وشعور صادق، وإحساس مرهف، وضمير حي، فينصرف بكليته إلى الصلاة؛ لأن الخشوع فيها إنما يحصُل لمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، ومنزلة الخشوع من الصلاة كمنزلة الرأس من الجسد، فالذي يجعل الصلاة مرتعاً للتفكير في أمور دنياه، ومحلاً للهواجس في مشاغله قلبه في كل واد، وهمه في كل مكان، يختلس الشيطان من صلاته بكثرة التفاته، وعبثه بملابسه ويده ورجله وجوارحه، وربما أخل بطمأنينيتها، ولم يعِ ما قرأ فيها، فيُخْشى أن ترد عليه صلاته، فقد ورد عند الطبراني وغيره أن صلاةَ مَن هذه حالُه:{تُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوبُ الخلِق، ثم يُرْمَى بها وجه صاحبها} والعياذ بالله.
أمة الإسلام! إنه لما طال بالناس الأمد، وقست قلوبهم، وأساءوا فهم شعائر الإسلام، أصبَحْتَ ترى مَن يخل ببعض شروط الصلاة وأركانها وواجباتها، فلم تعمل الصلاة عمَلَها في قلوب الناس، ولم تؤثر في حياتهم، فهل مَن يؤديها ولكن لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولا تمنعه مما يخدش العقيدة أو يخالف السنة أو يناقض مبادئ الإسلام، ولا تمنعه من تعاطي الربا، واقتراف الزنا، والرشوة، والغش، وشرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، والتساهل في حقوق العباد، والوقيعة في أعراضهم، وما إلى ذلك من المحرمات، هل أولئك قد أقاموا الصلاة وأدَّوا حقها؟! والله لو فعلوا ذلك لانتهوا عن كل محرم، وأقلعوا عن كل ما يخالف شرع الله، ولكنه إضاعة جوهر الصلاة، ولا حول ولا وقوة إلا بالله!
خرَّج الترمذي والنسائي من حديث جبير بن نفير:{أن أول علمٍ يُرْفع من الناس الخشوع، فيوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً} فالله المستعان!
يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! ما هي حالنا اليوم مع هذه الفريضة العظيمة؟!
أجسادٌ تهوي إلى الأرض، وقلوبٌ غافلة، وأفئدة متعلقة بالدنيا، إلا من رحم الله.