للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاشرة الإمام أحمد لأهله وأولاده]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، منَّ على المسلمين بأئمة هداة مهتدين، وعلماء صادقين عاملين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الذي أكمل به الدين، وأرسله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الراشدين المرشدين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:-

فاتقوا الله عباد الله! {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٨١].

واعلموا -رحمكم الله- أن الأمة إذا لم تعتز بماضيها، وسير علمائها، والاستفادة من تاريخها؛ ضيعت حاضرها ومستقلبها، واضطربت مكانتها، وتخبط أجيالها، وسير سلفنا الصالح رحمهم الله شموعٌ على طريق العلم والدعوة والإصلاح، بهم يستفاد تصحيح المسار وتوجيه المسيرة، وتوازن الخطى.

ولقد ضل أقوامٌ زهدوا بسير سلفهم، والتفتوا يمنة ويسرة، يخبطون في شتى المذاهب، ويتذبذبون بين جديد المشارب: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:٨٣].

أيها الإخوة في الله: وحينما نقلب صفحة أخرى من حياة هذا الإمام نرى العجب العجاب، إنه الجانب الأسري، وتربية الأولاد، فلم تشغله هموم العلم والدعوة والإصلاح والجهاد عن أسرته وحسن العشرة لأهله وزوجه، يقول الإمام أحمد رحمه الله: تزوجت أم صالح فأقامت معي ثلاثين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة واحدة.

أيها الإخوة في الله: وثمة صفحة أخرى من سجل هذا الإمام الخالد، هي إنصافه للمخالف، وسلامة صدره للمسلمين، وتقديره لأهل العلم وإن اختلف معهم، ولما عتب عليه بعضهم وأرادوا إثارة الخلاف بينه وبين الشافعي قال: مه! ما رأت عيناي مثل الشافعي، وقال: إني لأدعُ الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة.