للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)]

السؤال

فضيلة الشيخ حفظك الله: ما معنى قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

هل هو كما يفهمه بعض الناس: اللعب واللهو بعد أداء الفرض المكلف به.

أفدنا رعاك الله؟

الجواب

{ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

نعم، هذه الآية وردت في سياق قصة قارون في سورة القصص، يقول الله عز وجل: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٧٧].

نعم، الإنسان خلق في هذه الحياة ليسخر كل شيءٍ في هذه الحياة للحياة الأبدية التي سيقدم عليها وهي الحياة الآخرة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} [القصص:٧٧] لكن مع الحرص على الآخرة، ليس معنى هذا أن الإنسان يضيع نفسه في هذه الحياة من ناحية أن يكون عالةً على غيره، بل يأخذ من هذه الدنيا ما يعينه على السير إلى الدار الآخرة، وقد يفهم بعض الناس من هذه الآية، ويحتج بها على غير مراد الآية، فيرى وكأنه يمنُّ في عمله، وكأنه يتكثر شيئاً قدمه يقول: أنا ما دمت أصلي وأصوم وقد حججت وأزكي وأشهد أن لا إله إلا الله لا حرج أن أعمل الأمور الأخرى، فهذه أمور فيها سعة، ويتوسع في المباحات، وقد يقع في المحظورات بحجة {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

بعض السلف رحمهم الله، كـ مجاهد بن جبر رحمه الله تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما، فسر هذه الآية تفسيراً عظيماً، يدل على حرص السلف رحمهم الله على ما يقربهم إلى الله، وعلى الأمور الأخروية، يقول: ولا تنس نصيبك من الدنيا فتغفل فيها عن ذكر الله، وتغفل فيها عما يقرب إلى الله، فوجودك في هذه الحياة ينبغي أن تستغله بمرضاة الله عز وجل، ومعنى ذلك: أنك إذا قمت بهذا الواجب أنك لم تنسَ نفسك ولم تنسَ نصيبك، ونصيبك الكبير في هذه الدنيا تحقيق سعادتك في الآخرة، وتحقيق سعادتك في الآخرة هي بالإقبال على الله عز وجل ولزوم فرائضه، لكن الذي عليه المفسرون أو جمهورهم، أنه يستفاد من هذه الآية: أن الإنسان عليه أن يأخذ من أمور الدنيا ما يعينه إلى السير في طريق الآخرة لكن لا يفتتن في هذه الحياة، نعم.

نحن لا نريد أن يكون الإنسان عالة على غيره، يكون في المسجد مثلاً، ويبحث عمن يتصدق عليه، أو ينفق عليه، لا.

الإسلام لا يحظر أن تكون في بيتٍ واسع، وفي مركبٍ هنيء وهادئ، وأن تأخذ من أمور الدنيا ما يعينك: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:٣٢] {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده}.

لكن لا تكون الدنيا في قلبك فتكون هي شغلك الشاغل، ولكن تكون وسيلة إلى ما يقربك إلى الله عز وجل.

نعم، أما ما يحتج به أرباب الشهوات، من أنهم يفعلون ما يفعلون ويدعي أنه وصل الغاية فهذا والعياذ بالله من المنِّ بالأعمال، وهو من تسويل الشيطان وتلبيسه، فالذي لا يواصل الطريق ويحذر من العقبات فإنه على خطر، لا يكفي أنك تكون فقط مؤدياً للفرائض بل عليك أن تكثر من النوافل، وأن تحرص على كل ما يقرب إلى الله عز وجل، حتى لا يأتيك الشيطان على غرة، والشيطان علينا أن نحذره وهو عدو القلوب، وعدو الإنسانية جميعاً، ولا سيما أهل الخير، فعليهم أن يحذروه وأن يكثروا بالاستعاذة بالله من نزغاته وتلبساته.