أمة الإسلام: إن الواجب حماية لبيضة الدين، ودفاعاً عن أحكامه وتشريعاته، أن يحجر على كل متكلم في الشريعة، تحليلاً أو تحريماً وهو لا يحسن، فالحجر لاستصلاح الأديان، أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان، والغيرة على الشريعة من المكارم، وهي أولى من الغيرة على المحارم، والله إنه ليحرم على من لا يهتدي لدلالة القرآن، ولا يعرف السنة والآثار والبرهان أن يتسلم جانب العلم، ويتصدر في مجال الإفتاء ونحوه، فيضل ويُضل؛ فتغرق سفينة الأمة، وقد قيل لـ سفيان الثوري رحمه الله في ذلك فقال: إذا كثر الملاحون غرقت السفينة.
ألا فليعلم هؤلاء أنهم بكلامهم في الشريعة إنما يوقعون عن رب العالمين سبحانه، وأن الفتاوى نار تضطرم، وكم سمعنا ونسمع من فتاوى فجة لا زمام لها ولا خطام، تبنى على التجري لا على التحري، لا تقوم على قدم الحق فتعنت الخلق، وتُشجي الحَلْق، وحق على هؤلاء أن تسلم الأمة من لأوائهم وتحذر من غلوائهم.
وإن رغمت أنوف من أناس فقل يا رب لا ترغم سواها
روى ابن سيرين أن عمر قال لـ ابن مسعود رضي الله عنهما:[[نبئت أنك تفتي الناس ولست بأمير، فول حارها من تولى قارها]].
قال الإمام الذهبي في السير: وهذا يدل على أن للإمام أن يمنع من يفتي بلا إذنه.
وذكر الخطيب البغدادي بسنده عن حماد بن زيد رحمه الله أنه سمع منادياً ينادي في أسواق المدينة أن لا يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى مالك.
ولذا فإن الواجب أن يقوم بهذا العمل الأصلاء دون الدُخلاء، والمتأهلون لا المتطفلون والمتعالمون؛ حفظاً لدين الأمة، وتوحيداً لكلمتها، وضبطاً لمسالكها ومناهجها؛ لتكون مبنية على الكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة، وبذلك تسلم الأمة من غوائل المحن وبواعث الفتن، وتوجد العواصم بإذن الله من قواصم الجريمة الشنعاء، ألا وهي القول على الله بغير علم، والله المسئول أن يعصمنا من الزلل، ويحفظنا من الشرور والخطل، وأن يرزقنا نافع العلم وصالح العمل، فهذا هو عظيم الرجاء وكبير الأمل.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان، وثبتنا وإياكم على الحق والإيمان، ورزقنا اتباع سنة المصطفى من ولد عدنان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفوراً.