[الحث على صيام يوم عاشوراء]
الحمد لله الذي لم يزل بالمعروف معروفا، وبالكرم والإحسان موصوفاً، أحمده سبحانه وأشكره، كل يوم هو في شأن، ييسر عسيراً ويجبر كسيراً، ويغفر ذنوباً ويستر عيوباً، ويكشف كروباً، ويدفع خطوباً، ويغيث ملهوفاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً خالصةً لمن فطر السماوات والأرض حنيفا، ً وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، جعله الله صادقاً أميناً شريفاً عفيفاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً وسلاماً تزيدهم تفضيلاً وتكريماً وتشريفاً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
أيها الإخوة في الله: ووقفة رابعة مع فاتحة شهور العام، شهر الله المحرم، إنه من أعظم شهور الله جلَّ وعلا، مكانته عظيمة، وحرمته قديمة، هو رأس العام، ومن أشهر الله الحرم، فيه نصر الله موسى وقومه على فرعون وملئه، الأعمال الصالحات فيه لها فضل عظيم، لا سيما الصيام، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} وأفضل أيام هذا الشهر -يا عباد الله- يوم عاشوراء.
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه}.
وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام عاشوراء، فقال: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله} الله أكبر! يا له من فضل عظيم لا يُفوته إلا محروم! وقد عزم صلى الله عليه وسلم على أن يصوم يوماً قبله، مخالفة لأهل الكتاب، فقال صلى الله عليه وسلم: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
لذا ينبغي على المسلمين أن يصوموا ذلك اليوم، اقتداءً بأنبياء الله، وطلباً لثواب الله، وأن يصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، مخالفةً لليهود وعملاً بما استقرت عليه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، حقاً إنه عمل قليل وأجر كبير وكثير من المنعم المتفضل سبحانه.
إن ذلك -أيها الأحبة في الله- لمن شكر الله عز وجل على نعمه، واستفتاح هذا العام بعمل من أفضل الأعمال الصالحة التي يرجى فيها ثواب الله تعالى، فالكيس الواعي، والحصيف اللبيب، يدرك أنه كسب عظيم يجب ألا يسقطه من حسابه، فأين المشمرون المخلصون؟!
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، بمنه وكرمه.
واعلموا -رحمكم الله- أن الله أمركم بالإكثار من الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين النبي الهادي المصطفى الأمين، صاحب المعجزات الدائرات، والآيات البينات، فقال تعالى قولاً كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واخذل الكفرة والطغاة والظالمين يا رب العالمين.
اللهم أمِّنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم يا سميع الدعاء.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، والمضطهدين في دينهم في كل مكان، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من براثن اليهود المعتدين يا قوي يا عزيز: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.