إخوة العقيدة والإيمان: وإن أول هذه الوقفات الجديرة بالتنويه والعناية، والاهتمام والرعاية، مع حدث لا كالأحداث، حدث غير مجرى التاريخ، حدث يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والصبر والفداء، والعزة والقوة والإخاء، والتوكل على الله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، ذلكم هو حدث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحية، ذلكم الحدث الذي جعله الله سبحانه وتعالى طريقاً للنصر والعزة والكرامة، ورفعاً لراية الإسلام، وتشييداً لدولته، وإقامة صرح حضارته على العقيدة الخالصة والوحدة الصادقة:{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠].
أيها المسلمون: إنه لما اشتد أذى الكفار برسول الله صلى الله عليه وسلم بـ مكة، أذن الله له بالهجرة إلى المدينة النبوية المنورة، فخرج عليه الصلاة والسلام من بيته يتحدى أعداءه، ويفوت الفرصة عليهم في تدبيرهم ومكرهم:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠].
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرفقته صاحبه الصديق رضي الله عنه، الذي ضرب مثلاً رائعاً في نصرته وفدائه لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وشفقته على حياته، ففي الغار يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه:[[يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا]] فيجيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بجواب الواثق بنصر الله، المطمئن لوعد الله:{يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما} الله أكبر! ياله من درس عظيم في نصرة الله جل وعلا لأوليائه، وعدم تخليه عنهم لا سيما في الشدائد!