للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فرقة الأمة بعد وحدتها]

ثم إنه بعد انقضاء القرون المفضلة دب في الأمة داء الفرقة والخلاف، وعصفت بها عواصف التشتت والنزاع، وعمها طوفان الإعراض عن منهج الله، فتفرق شملها وتبدد صفها، وتمزقت وحدتها، فذلت بعد عزة، وضعفت بعد قوة، وغرقت في أوحال الجهل والخرافة، ومستنقعات الشرك والوثنية إلا من رحم الله، لكن من رحمة الله سبحانه بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن وقاها عذاب المحق والاستئصال، وقضى بوجود الطائفة المنصورة والفرقة الناجية إلى قيام الساعة، فراية التوحيد لا تسقط أبداً، وصوت الإسلام لا ينقطع سرمداً.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون} فلم يخل قرنٌ من القرون مع كثرة الفتن وغلبة الإعراض والمحن من وجود أئمة مهديين، وعلماء ربانيين، ودعاة مصلحين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها، إمامة ودعوة، تعليماً وإصلاحاً، قدوة وجهاداً ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويذبون عن شريعة رب العالمين، وسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الحاكم وسنده جيد ورجاله ثقات: {إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها} فلم يزل سبحانه وتعالى تفضلاً منه ومنة يوفق لإقامة عقيدة التوحيد، ويمكن لشريعة الإسلام، مع أن عوامل الضعف ما برحت، ونقم الكيد للإسلام وأهله ما فتئت تصيب الأمة بالوهن والأدواء، في عددٍ من أعضاء جسدها المثخن بالجراح.