للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال الناس في رمضان]

مضى هذا الشهر الكريم وقد أحسن فيه أناس وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه من أعمال، شاهدٌ للمشمِّرين بصيامهم وقيامهم وبرهم وإحسانهم، وعلى المقصِّرين بغفلتهم وإعراضهم وشحهم وعصيانهم، ولا ندري هل سندركه مرة أخرى؟! أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات؟!

ألا إن السعيد في هذا الشهر المبارك مَن وُفِّق لإتمام العمل وإخلاصه ومحاسبة النفس والاستغفار والتوبة النصوح في ختامه، فإن الأعمال بالخواتيم.

إخوة الإيمان: لقد كان السلف الصالح رحمهم الله يجتهدون في إتقان العمل وإتمامه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون مِن ردِّه، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧]؟]].

ويقول مالك بن دينار رحمه الله: الخوف على العمل ألا يُتَقَبَّل أشد من العمل.

وقال فضالة بن عبيد رحمه الله: [[لو أني أعلم أن الله تقبل مني حسنة واحدة، لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها]].

الله أكبر! هذه حال المشمِّرين! فرحماك ربنا رحماك! وعفوك يا ألله لحال المقصِّرين!

ألا فسلام الله على شهر الصيام والقيام! سلام الله على شهر التراويح والتلاوة والذكر والتسبيح! لقد مر كلمحة برقٍ أو غمضة عين، كان مضماراً للمتنافسين، وميداناً للمتسابقين.

ألا وإنه راحلٌ لا محالة فشيعوه، وتمتعوا فيما بقي من لحظاته ولا تضيعوه، فما من شهر رمضان في الشهور عِوَض، ولا كمُفْتَرَضه في غيره مُفْتَرَض، شهر عمارات القلوب، وكفارات الذنوب، وأمان كل خائفٍ مرهوب، شهر العبرات السواكب، والزفرات الغوالب، والخطرات الثواقب، كم رُفِعَت فيه من أكُفٍّ ضارعة؟! وذَرَفَت فيه من دموع ساخنة؟! ووجلت فيه من قلوب خاشعة؟! وتحركت فيه من مشاعر فياضة، وأحاسيس مرهفة، وعواطف جياشة؟!

هذا وكم وكم يفيض الله من جوده وكرمه على عباده! ويمن عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ لا سيما في آخره!