للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان سلاح الماضي والمستقبل]

أمة الإسلام: والمستقرئ لتاريخ هذه الأمة في أطواره المختلفة، يجد أن دولة الإسلام لم ينقطع موكبها، ولم تنطفئ أنوارها بحمد الله، منذ أن أشاد المصطفى صلى الله عليه وسلم صرح حضارة الإسلام الأولى، نعم.

كانت هناك ولا تزال محاولات مستمرة ترمي إلى إقصاء الإسلام وتجريد أهله من إمكانياتهم المادية والمعنوية، وحرمانهم من حقوقهم وقوتهم في شتى المجالات، وغزوهم عقدياً وفكرياً وتربوياً وإعلامياً، لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وإذا كان العالم اليوم بساسته ومفكريه ومثقفيه ومنظريه، يرقب بحذر كيفية الدخول والتعامل مع القرن الحادي والعشرين، فإننا نقول بهاماتٍ مرتفعة، وأصواتٍ مدوية: إن سلاح العقيدة والإيمان هو السلاح الفاعل في كل العصور والأزمان معاشر المسلمين، لقد شهدت الجزيرة العربية أحقاباً عجافاً، وأتى عليها حينٌ من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً، إلا بالظلم والنهب، والجهل والسلب وشيوع القتل والفوضى، وكانت مسرحاً للجرائم، ومثلاً في إنعدام الأمن وكثرة المخاوف.

ضج الحجيج وضج البيت والحرم واستصرخت ربها في مكة الأمم

حين انفرط عقدها وذهبت ريحها وتسلط عليها أعداؤها، ولم تزل في هذا الوضع المتردي حتى قيظ الله لها أئمة الدعوة الإصلاحية المباركة، في زمنٍ كثر فيه الجهل والخوف وعم، وعظم فيه التخلف والإطراب وطم، ووهت صلة الناس بعقيدتهم، وانعدم توثقهم بشريعتهم، فأجرى الله على أيديهم من الخير للبلاد والعباد ما يشهد به العقلاء المنصفون، ويشكك بها المغرضون الحاقدون، وأعليت راية التوحيد ووئدت الخرافة، وأبطل التنديد، فتحاً من المجيد، وتيسيراً من العزيز الحميد، حتى قرت عيون الموحدين؛ بانتشار نور العلم، وتبددت سحب الجهالة، وتحقيق الوحدة والأخوة، وتأمين السبل وشيوع الأمن، واطمئنان ركاب السفينة إلى من يقودها بمهارة، وسط الأمواج الهائجة، إلى بر الأمان وشاطئ السلامة والنجاة، وهذا من مقتضيات الإمامة والولاية في هذا الدين.

يقول أبو المعالي الجويني الشافعي: والإمامة متضمنها حفظ الحوزة والذب عن البيضة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف، وتشييد مباني الرشاد، وحسم معاني الغي والفساد؛ فتنتظم أمور الدين والدنيا، والغرض الأعظم منها جمع شتات الرأي، فإن معظم الخبال والاختلال يتطرق إلى الأحوال من اضطراب الآراء، فلا ينتظم تدبير ولا يستتب من إيالة الملك قليلٌ ولا كثير.