والسيرة العطرة لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم أنموذج يحمل في طياته نماذج حية، لتاريخ الشائعة والموقف السليم منها، فقد رميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها، فرمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وتفنن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة، والاتهامات الباطلة ضد دعوته عليه الصلاة والسلام.
ولعل من أشهرها قصة الإفك المبين، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهر، وتتعرض لعرض أكرم الخلق على الله صلى الله عليه وسلم وعرض الصديق والصديقة، وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم أجمعين، وتشغل هذه الشائعة المسلمين بـ المدينة شهراً كاملاً، والمجتمع الإسلامي يصطلي بنار تلك الفرية، ويتعذب ضميره، وتعصره الشائعة الهوجاء عصراً، ولولا عناية الله لعصفت بالأخضر واليابس، حتى تدخل الوحي ليضع حداً لتلك المآساة الفظيعة، ويرسم المنهج للمسلمين عبر العصور للموقف الواجب اتخاذه عند حلول الشائعات المغرضة.
تقول عائشة رضي الله عنها:[[فمكثت شهراً لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم]]، حتى برأها الله من فوق سبع سموات، رضي الله عنها وأرضاها.
ومن ذلك -يا عباد الله- استغلال الكفار والمنافقين لحادث موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حين أخذوا يشنون الحرب النفسية ضد المسلمين، عن طريق الشائعات المغرضة، زاعمين أن الإسلام قد انتهى ولن تقوم له قائمة، حتى أثّر ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، وظل الناس في اضطراب حتى هيأ الله الصديق أبا بكر رضي الله عنه، فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:١٤٤].