للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير من الدعوات الزائفة المزركشة]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.

أما بعد:-

فاتقوا الله عباد الله، فالله عز وجل قد أمركم بتقواه، واعملوا على سلوك طريق هداه.

أيها الإخوة في الله: لقد أنعم الله على الإنسان حيث خلقه في أحسن تقويم، وكرَّمه أعظم تكريم، بدأ خلقه من طين ونفخ فيه من روحه، وفضله على سائر المخلوقات، وميَّزه على سائر الكائنات، حباه العقل والإدارك، وميزه بالسمع والبصر والفؤاد، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جمعياً منه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، خلقه واصطفاه، وفضله واجتباه، وأعده أكمل إعداد وأوفاه، أكرمه بالفطرة السوية والعقيدة النقية، وحملَّه الأمانة الغالية، وكلَّفه الرسالة السامية، أنشأه من الأرض ليعمرها، واستخلفه فيها ليصلحها، ينفذ أحكامه، ويطبق شريعته، وهيأ له فيها كل ما يحتاجه مما تقوم به حياته، ويصلح له أمر دينه ودنياه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:٧٠].

أيها الإخوة المسلمون: لقد حظي الإنسان في ظل الإسلام بتكريم لا مثيل له، وتشريف لا نظير له، ينال ذلك منذ تكوينه جنيناً في بطن أمه، ويمتد هذا التكريم في المنهج الإسلامي ليشمل كل فرد في المجتمع الإنساني ذكراً كان أو أنثى، ضعيفاً أو قوياً فقيراً أو غنياً، في بعد عن النزعات الإقليمية والعصبيات الجاهلية، وفي منأى عن المبادئ الفكرية والقوانين الوضعية، التي سامت الإنسان سوء العذاب، لقد رسمت له هدفه، استغراقاً في الإباحية والشهوات، وانغماساً في الماديات والملذات، جعلت منه آلة متحركة يتحول بعدها إلى معدة جائعة، بلا روح ولا ضمير، وبلا شعور ولا وازع، فدمرت الإنسان حيث تريد بناءه، وذلك لأن الإنسان مخلوق تجتمع فيه قوى الروح والجسد، ولكل منهما طاقات ومتطلبات تؤخذ مجتمعة متوازنة، ولم ولن ولا يتم ذلك إلا في ظل الإسلام الحق، وقد أخفقت كل المحاولات البشرية والنظم الأرضية في إسعاد الإنسان؛ لما أقصت عن حياته مطالب الروح وغذاء الإيمان، وحجبت أشعة نور العقيدة أن تغمر الفرد ببهائه، والمجتمع بضيائه، وذلك -لعمر الحق- عدوان صارخ على الإنسان، وتجاهل لحقيقته، وإهدار لإنسانيته، وزراية خطيرة بكرامته، ووأد لمعاني الخير والفضيلة والقيم في نفسه.

وإن أي دعوة للإنسان بتخطي حدود الله، وتجاوز شريعته، إنما تسف بالإنسان وتهبط به من آفاق العزة والكرامة إلى حضيض الضعف والمهانة، وتجعله سادراً في الظلام، غارقاً في التيه والضلال، تعصف به تيارات الضياع، وتوقعه في عالم القلق والحيرة والاضطراب والتوتر والجريمة من حيث تزعم أنها تسعده، وتدعي أنها تحرره وتفتح مداركه، وتجعله يواكب الركب في التطور والمدنية كما زعموا.

أبعد هذا ينخدع إنسان بالدعاوى المزركشة، والوعود الكاذبة، والمؤتمرات المشبوهة التي يريد أصحابها تشكيك أهل الإسلام بصلاحيته وبقيمه وأخلاقه ومثله؟! والسؤال الذي يفرض نفسه: ماذا يريد هؤلاء؟!

أيريدونها علمانية تقصي الدين عن واقع الحياة، وعن تنظيم شئون الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها، وتجعل من الدين طقوساً لا أثر لها في دنيا الواقع؟!

أيريدونها إباحية تداس فيها القيم وتهدر الأخلاق وتشاع الأمراض والجرائم؟!

أيريدونها فوضوية يتسلط فيها القوي على الضعيف، ويصبح الناس فيها أشبه بوحوش كاسرة، وسباع ضارية، لا مكان فيها إلا للأقوى؟!

لقد أفلست كل هذه النظريات، ولم تعد صالحة لإسعاد البشرية، والواقع من أكبر الشواهد على ذلك، فالعجب من الأصوات الناعقة، والأقلام الحاقدة، والمؤتمرات المشبوهة، كيف تجرءوا على محادة الله ورسوله، ومصادمة شرعه ودينه؟!

والعجب العجاب من ذلك الإنسان الضعيف كيف يعدو قدره ويتجاوز حده، ويشمخ بأنفه ويعتد بقوته ويتباهى بسطوته ويمتلئ غروراً وكبرياءً وغطرسة؟!

لكنه الإنسان في غَلْوَائه ضلت بصيرته فَجُنَ جنوناً

ما أضيع الإنسان مهما غدا في سبل العلوم إذا أضاع عريناً

إنه لخليق بالإنسان أن يعرف ربه، ويؤدي دوره، ويدرك مسئوليته ويقوم بواجبه في عبادة ربه سبحانه، وينقاد لأوامره، ويذعن لحكمه ويتجه بصدق وإخلاص، وبكل شعور وإحساس، نحو هذه الغاية المشرفة، صلاحاً وإصلاحاً؛ وبذلك يكون مؤمناً حقاً ومسلماً صدقاً، ولن يقوم أحد بذلك إلا إنسان العقيدة والقيم والأخلاق، فمتى سعد الإنسان إلا في ظل العقيدة الصحيحة.

من الذي صان دم الإنسان أن يسفك، وعرضه أن ينتهك إلا الإسلام، ومن الذي أحرز ماله أن يغتصب وحماه أن يقتحم وعقله أن يعطل إلا الإسلام، يوم أن فشلت الشعارات، ولكن يأبى بعض الناس إلا تجاوز حدود الله ومخالفة شرع الله: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:٣٣] {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠] {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢].