للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المناصب التي تولاها الشيخ عبد الرزاق]

قدم إلى المملكة -كما قلتُ- ودرَّس في دار التوحيد، ودرَّس قبلها في المعارف، ثم درَّس في معهد عنيزة العلمي، واستفاد منه شيخنا الشيخ: محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- كما استفاد الشيخ أيضاً من دروس الشيخ: عبد الرحمن بن سعدي في القصيم، وبعدها أيضاً، افتُتح معهد الرياض العلمي في العام السبعين بعد الثلاثمائة والألف، فأُتِي بالشيخ ليدرِّس في هذا المعهد الذي هو نواة للمعاهد العلمية -وهي نواةٌ مباركة- التي أصبحت اليوم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقبلها الرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية، وكان مدير الكليات والمعاهد العلمية الشيخ: عبد اللطيف بن إبراهيم -وهو أخو المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله- معجباً بالشيخ عبد الرزاق رحمه الله، فكان أن أسند إليه مهمة اختيار المدرسين، وأيضاً مهمة وضع المناهج في المعاهد العلمية، وفي جامعة الإمام، وفي كلية الشريعة، وفي المعهد العالي للقضاء، وفي الجامعة الإسلامية بـ المدينة المنورة، وذلك يعطيه الثقة من ولاة الأمر ومن علماء هذه البلاد بارك الله فيهم جميعاً.

وفي عام ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف، افتتحت كلية الشريعة بـ الرياض، فطُلِب الشيخ مدرساً فيها لمواد العقيدة، وأصول الفقه، والفقه والتفسير فكان من خير المدرسين رحمه الله.

وفي عام خمسة وثمانين وثلاثمائة وألف افتتح المعهد العالي للقضاء، الذي -كما تعلمون- يؤهل القضاة، فاختير الشيخ رحمه الله أول مديرٍ لهذا المعهد، ووضع مناهج هذا المعهد، فكانت مناهج رائدة معروفة تنافس مناهج التعليم العالي في العالم الإسلامي.

وفي عام ألف وثلاثمائة وواحد وتسعين، وبعد أن أحيل الشيخ على التقاعد من المعهد العالي للقضاء، حرص شيخنا الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله أن يكون الشيخ عبد الرزاق بقربه وبجانبه في إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكان الشيخ حفظه الله يحب الشيخ كثيراً ويُثني عليه ويُعجَب بعلمه وعقله وفضله وبُعد نظره رحمه الله.

ففي عام ألف وثلاثمائة وواحد وتسعين عُيِّن الشيخ عبد الرزاق عفيفي نائباً لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وأيضاً عضواً في هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وعُرف رحمه الله بجده واجتهاده وقيامه بالعمل خير قيام، فقد ضَرَب مثالاً في الرغبة والحرص والاحتساب، فلم يكن للعمل موظفاً يتقاضى أجراً فقط، وإنما كان رحمه الله معروفاً بجده واجتهاده إلى أن اعتلت صحته، وهو يقاد بالعربة إلى مكتبه في إدارة البحوث العلمية والإفتاء حتى أقعده المرض، عليه رحمة الله.

وقد جاورتُه رحمه الله، فكان يذهب للعمل أحياناً بعد صلاة الفجر يصلي معنا الفجر ثم ينتظر حتى تشرق الشمس، ثم يذهب إلى العمل، ويجلس في العمل، في الإفتاء، في الدعوة، في تحرير الفتاوى والكتابة فيها، وفي استقبال المستفتين، وفي الأعمال الإدارية والعلمية الكثيرة حتى الساعة الثانية والنصف أو الثالثة، ثم يأتي إلى البيت ويتناول طعام الغداء، ويستريح بعد صلاة العصر قليلاً وبعد صلاة المغرب يفتح أبوابه للراغبين من طلاب العلم؛ والمستفيدين؛ والعامة والخاصة؛ والشباب والشيب؛ والصغار والكبار؛ كلٌ يفد إلى بيته بعد صلاة المغرب من كل يوم.

وكان لي أن شَرُفْت بلقاء الشيخ رحمه الله في آخر أيامه، وكنت بعد صلاة المغرب أراوده وأختلف إليه لأستفيد من علمه وفضله رحمه الله، وبعد صلاة العشاء يتناول العشاء ثم يرجع إلى أعماله العلمية وإلى فتاويه والاستعداد العلمي ليوم غد، ثم ينام مبكراً، وفي آخر الليل يستيقظ يصلي ما كتب الله له.

وهكذا، بابٌ مفتوح، علمٌ، وفضلٌ، ودعوة، وإصلاح، وحسبة، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، وفتحُ بابٍ للمستفيدين والراغبين من طلاب العلم ومِن غيرهم، وأشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه، حتى إنه أشرف على مئات الرسائل، وكان أن شرفتُ بإشرافه رحمه الله في أول رسالة الماجستير في علم أصول الفقه، ويعلم الله أن السنوات التي قضيتها وهي بمثابة ثلاثٍ أو أربع إلى خمس سنوات من أعز أيام وليالي العمر، ولا أعرف أنني رأيت مثله ومثل شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظهم الله- فيما جبلهم الله من صفاتٍ متعددة في العلم والتعليم، وبذل النفس، والتحصيل، مع العقل والحصافة، وبُعد النظر، وإنزال الناس منازلهم، والتوجيه بالتي هي أحسن.