للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة الإيمان]

أمة الإسلام: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الإيمان، وإن تركه علامة النفاق: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:٦٧] {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [التوبة:٧١] وهما من أعظم أسباب النصر على الأعداء والتمكين في الأرض، قال عز من قائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤٠ - ٤١] وهما طوق النجاة وسربال الحياة: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:١٦٥].

وبالجملة فهما من أفضل الأعمال، وآكد الفرائض، وأوجب الواجبات، وألزم الحقوق، وقد جاء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بما يؤيد ذلك، يقول أصدق القائلين: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤].

وروى مسلمٌ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} وفي رواية: {وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل}.

وروى الترمذي وغيره عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم}.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتقِ الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض -ثم قال-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩] ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم} رواه أبو داود والترمذي وهو حديثٌ حسن.

إخوة العقيدة: أرأيتم لو أن فرداً أصيب بمرضٍ عضال في جزءٍ من جسمه فأهمله، أوليس يستشري المرض في جسده كله، فيتعسر علاجه ويتعذر شفاؤه، كذلكم المنكر -يا عباد الله- إذا ظهر وتُرك فلم يغير، فإنه لا يلبث أن يألفه الناس ويستمرئوه، وعندئذٍ يصبح من العسير تغييره وإزالته، فتعم المنكرات، وتنتشر الفواحش، وتغرق سفينة الأمة.

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالاً مثالياً على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: {مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا؛ هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً} رواه البخاري.