للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة العبد]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً مبرأةً من الشك والشرك والريب والنفاق، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه وصفوته من رسله، بعثه الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلاً، لا إله إلا الله، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكرٌ وكبر، الله أكبر عدد ما لاحت بوارق السعادة على من قصد البلد الحرام، وما دامت عليهم في تلك الرحاب الطاهرة مواهب ذي الجلال والإكرام، الله أكبر عدد ما أحرموا وصلوا إلى البيت وطافوا بالكعبة وسعوا بين الصفا والمروة، الله أكبر عدد ما رفعوا أصواتهم بالتلبية، وعدد ما ذبحوا وحلقوا ورموا وشربوا من ماء زمزم.

الله أكبر عدد ما تحركت قوافل الحجيج، آمةً هذا البيت العتيق، الله أكبر عدد ما انطلقت مواكبهم من مكة إلى منى، ومنها إلى عرفة، الله أكبر عدد ما باتوا بـ مزدلفة، وذكروا الله عند المشعر الحرام، الله أكبر عدد ما أثابوا وودعوا، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد:

أيها المسلمون في بلد الله الحرام: أيها الحجاج الكرام! أيها الإخوة في الله في مشارق الأرض ومغاربها! اتقوا الله تبارك وتعالى، فتقوى الله جماع كل خير، وسياجٌ من كل شر، اتقوه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، إذا كنتم تنشدون خيري الدنيا والآخرة، وترمون السعادة والفلاح في العاجل والآجل، فعليكم بتقوى الله، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:٢ - ٥].

عباد الله: من نعم الله على عباده أنه شرع لهم مواسم مباركة، يفرح فيها الطائعون ويسر فيها المؤمنون، لما فيها من النفحات وتنزل الرحمات، وكثرة البركات ورفعة الدرجات، وتكفير السيئات، ومن هذه المواسم ما شرعه الله لعباده من الأعياد الشرعية، التي تعود عليهم كل عام مرتين، وتتكرر عليهم بالخير والفضل والإحسان كل سنةٍ في وقتين اثنين، في الفطر بعد رمضان، وفي الأضحى بعد يوم عرفة.

في الأعياد يظهر المسلمون شعائر دينهم، ويتعارفون ويتآلفون وتسود بينهم حياة الصلة والمحبة والوئام، ويجتمعون على ذكر الله سبحانه وتعالى، وتكبيره، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وإننا لنحمد الله سبحانه حق حمده على ما مَنَّ به علينا من إدراك عيد الأضحى المبارك، هذا العيد الذي يعود كل عامٍ بخيره وبركته على المسلمين عامة، وعلى حجاج بيت الله الحرام خاصة، حيث يتقرب فيه الجميع إلى الله، بأعمالٍ جليلة، وعبادات عظيمة.

أمة الإسلام: ما أشد حاجتنا اليوم إلى التعرف على المغزى الحقيقي في العيد، وعلى الأثر الإيماني والاجتماعي منه، وما الدروس والعبر التي يجب أن يخرج بها المسلمون من مرور العيد عليهم، وكيف ينبغي أن تكون حياتنا وأخلاقنا في العيد، إنه ليس العيد السعيد بالتحلي بالجديد والتنعم بالغيد وخدمة العبيد، إنما السعيد حقاً من جعل الإيمان والتقوى شعاره فيما يبدأ وما يعيد، فهل أدرك المسلمون حقيقة العيد؟ وهل فهموا حكمة التشريع منه؟ وهل تفطنوا لآثاره واستناروا بعبره؟

إنهم إن أرادوا ذلك فعليهم أن يروضوا أنفسهم على الخير فعلاً وإسداءً، وقياماً بصنائع المعروف التي تضفي على المجتمع طابع الترابط والتآلف والتآخي، وتقيه مصارع السوء، وأوائل الشرور، ليفتش كل مسلمٍ عن جيرانه وأقاربه وإخوانه، فيسأل عن أحوالهم، ويتفقد شئونهم، ويسد حاجاتهم، ويعينهم في إدخال البهجة والسرور على قلوب أبنائهم، يسعفهم بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والبشاشة المؤثرة، ليتذكر كل مسلمٍ يجتمع بأسرته يوم العيد أطفالاً يتامى، ونساءً أيامى، لا يجدون ابتسامة الأب الحنون، وحنان الأم الرءوم، ليتذكر جموعاً من إخوانه المسلمين، في بقاع كثيرة من العالم، يعيشون أوضاعاً مؤلمة، ومآساً مبكية، إشراقة العيد عندهم يخيم عليها الحزن والأسى، وأيامه تصطلي بالألم وتفقد طعم الأمن والاستقرار.