للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السبيل إلى مجاهدة النفس]

السؤال

ما هو السبيل إلى مجاهدة النفس، وإخلاص النية في جميع الأقوال والأفعال؟ وجزاكم الله خير الجزاء على إجابة هذا السؤال؟

الجواب

أحمد الله تعالى، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

لا شك أن هذه الطرق الثلاث، أو هذه القضايا الثلاث الرئيسية التي ذكرناها ضمن الحديث تحتاج إلى مجاهدة، وتحتاج إلى عمل؛ لأن هناك أعداء يريدون إشغالنا عما خلقنا له.

إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي

فشياطين الإنس والجن مع النفس الأمارة بالسوء والهوى كل هؤلاء حريصون على إضلالنا وإبعادنا، وأن نكون معهم في نار جهنم والعياذ بالله! كما حرص الشيطان الرجيم -أعاذنا الله منه- على إغواء بني آدم، وأنه سيأتيهم من أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم إلى آخر ما ذكر الله عز وجل عنه، فينبغي على العبد أن يجاهد نفسه، وطرق مجاهدة النفس تأتي ضمن عدة أمور:

الأمر الأول: الدعاء والالتجاء إلى الله عز وجل، فهو سبحانه الذي يعين، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء: {اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} ويقول: {يا معاذ! إني لأحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}.

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

الأمر الثاني: أن يأخذ الإنسان بطرق مكافحة الشيطان، أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائماً وأبداً، ويسأل الله دائماً أن يعيذه من شرور نفسه وسيئات عمله، وأن يدله على الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه، ثم عليه أن يأخذ بعوامل الثبات، يقبل على كتاب الله عز وجل، يقوي الإيمان في قلبه عن طريق تقوية الإيمان المعروفة: قراءة القرآن، الأذكار الشرعية، صلاة الفرائض وصلاة النوافل، والصدقات، والتطوع، والواجبات، وأيضاً من ذلك أن يشتغل الإنسان بالطاعات، ويبتعد عن المعاصي، فإن المعاصي تقرب الإنسان مما يبعده عن الله عز وجل، وتأخذ به رويداً رويداً حتى تقذف به بعيداً عن جادة الصواب والعياذ بالله، ولهذا يجب على المسلم ألا يستقل صغيرة، لا يقول أنا لم أصلِّ السنن، وهذه سنن ويتساهل فيها، عليه أن يأخذ نفسه بالجد، ولا يضع لنفسه ثغرة من الثغرات، فإن الشيطان حريص أن يتسلل منها إلى قلبه، وإلى دينه وإيمانه.

الأمر الثالث: عليه أن يلتمس الجلساء الصالحين، وهذه قضية مهمة.

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي

إذا مشى الإنسان مع الذين يصلون ويذكرون الله ويطيعون الله؛ صار منهم، وإذا مشى مع الذين يلعبون ويلهثون ويلغون ويرابون ويسكرون ويعبثون في هذه الدنيا؛ أصبح منهم، فالتمس لك قريناً صالحاً، والتمس لك خلاً صادقاً وفياً، فإن هذا مما يعينك على مجاهدة نفسك، لازم العلماء، استفد منهم عبر مجالستهم، أو مجالسة أصواتهم والاستفادة منهم عبر محاضراتهم وندواتهم.

الكتاب الإسلامي، الشريط الإسلامي، الالتزام بالرفقة الصالحة، كل ذلك ومما يعين على مجاهدة النفس، البعد عن المعاصي، لا نستمرئ المعاصي، إذا كثر إمساسنا للمعاصي، قل إحساسنا لها، ولهذا تجد بعض الناس الذين واقعوا كثيراً من المعاصي يعدونها سهلة، وإن كان ثبت {أن الإنسان المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال له هكذا فطار، والمؤمن يرى ذنوبه كأنه جبل يريد أن يقع عليه}.

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون:٥٧] إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٦٠ - ٦١] هذه بعض الوصايا التي تعين الإنسان على أن يسلك مجاهدة النفس، وطريق الثبات، وعليه أن يسأل الله دائماً وأبداً الثبات على الحق، فمن نحن عند أفضل الخلق على الإطلاق الذي قام الليل حتى تفطرت قدماه؟ وكان يقول: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك} يقوم الليل حتى تتفطر قدماه! فقلوبنا نحن قاسية الآن، وعلينا أن نسأل الله الثبات، ثم علينا أيها الإخوة أن نتذكر الموت، نزور المقابر، نتذكر الآخرة، نأخذ برصيد، لا تشغلنا هذه الحياة بزخارفها وشهواتها، كل ذلك بإذن الله عونٌ على مجاهدة الإنسان نفسه، وسيره على الطريق المستقيم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل ذلك؟