وإن المسلم الحق لينشرح صدره بالتمكين لبقعة الإسلام الأولى، وانطلاقة دعوته الكبرى، ويفرح ويغتبط حينما يرى صفاء العقيدة وظهور السنة، ويغمره السرور ويكتنفه الاستبشار والحضور حين يجد الراحة والأمن، وهو يحج ويعتمر، بكل أمنٍ وأمانٍ واطمئنان، بعدما كانت رحلة الحج والعمرة رحلة مصيرية، تمثل حياة أو موتاً، فلله الحمد أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً:
كانت جزيرتنا بالأمس عارية واليوم قد لبست أثوابها القشبا
لقد كان فيها من الهرج ما يبكي العيون.
كانت ممزقة الأطراف مرهقة فالخد منعفر والركن مهدودُ
فأصبحت بعد ضم الشمل شامخة حين استتب لها بعثٌ وتجديدُ
فتمثلت الجزيرة بعد الدعوة الإصلاحية نسيجاً وحدوياً يقل نظيره، نجدها وحجازها، جنوبها والشمال، في نظام متحد، بعدما أدى الشقاق في الأمة إلى ضمور معاني الوحدة فيها، فكانت كثير من الكيانات تعاني الفرقة في أقسى معانيها، في انقساماتٍ عصبية، ومشاحناتٍ إقليمية.
إن كل أمة تعتنق عقيدة التوحيد، وتلتزم شريعة الله لا يحق لها أن تجعل لأسباب الفرقة طريقاً إلى وحدتها، لكي تنطلق إلى آفاق البناء، وتستشرف آمال المستقبل، على خطىً ثابتة توحداً وتوحيداً:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:٩٢] ولقد كانت نتيجة ذلك وآثاره أمناً وارف الظلال بحمد الله في عالمٍ ضرب الخوف فيه أطنابه، ولم يعد أحدٌ آمناً على نفسه وماله وعرضه:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت:٦٧].