للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المواقف السلبية تجاه سيرة الرسول]

فمن الناس من نظر إلى السيرة النبوية على أنها قصص تتلى، وفصول تسرد، دون متابعة واقتداء، فلا تحرك مشاعراً وقلوباً، ولا تثير مشاعراً وهمماً، وأبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي فوق كونه عظيماً من عظماء التاريخ؛ فإن شرف النبوة وتاج الرسالة هو الذي يحسن له المحبة والاتباع، وإن ارتباطنا برسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة؛ ليست ارتباط أوقات ومناسبات، ولا حديث معجزات وذكريات، بل إنه ارتباط وثيق في كل الظروف وعلى جميع الشئون وأحوال الحياة إلى الممات.

وشخصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليست شخصية مغمورة، ولا في ثنايا التاريخ مطمورة، تبرز حيناً وتطوى حيناً، حاشاه عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي، بل إن ذكره يملأ الأفاق، والشهادة برسالته تدوي عبر المآذن والمنابر، وتنطلق عبر الحناجر والمنائر، والمسلم الذي لا يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في ضميره، ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره في كل لحظة من لحظاته؛ لا يغني عنه أبداً التغني بسيرته، ولا صياغة النعوت في مدائحه، وليس هناك أعلى من مدح ربه جل وعلا له وثنائه عليه، فقد رفع ذكره، وأعلى في العالمين قدره، وشرح صدره، ووضع وزره، وما جنح بعض المسلمين إلى مثل هذا اللون في الإفصاح عن تعلقهم بنبيهم إلا يوم أن أعياهم القيام بالعمل، وتركت نفوسهم العزمات، واستسلموا للتواني والكسل، فالجهد الذي يتطلب العزائم هو الاستمساك والاقتداء، فبدلاً من التغني والترنم ينهض المسلم الجاد إلى تقويم نفسه، وإصلاح شأنه حتى يحقق الاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى يترجم تلك الدعاوى إلى واقع عملي في كل شأن من شئونه، في معاشه ومعاده، وفي حربه وسلمه، وفي علمه وعمله، وفي عباداته ومعاملاته.

وإن تحويل الإسلام والحب لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم إلى هز للرءوس وتضخيم للعمائم، وإطالة للشبه يصاحب ذلك هوهوات وتمتمات، وشنشنات وهمهمات، وتعلق بأذكار وتسابيح، وتمسك بمدائح وتواشيح؛ لشيء عجيب يحار العقل في قبوله، والأدهى من ذلك أن تكون هذه الأمور معايير لصدق المحبة وعدمها، ومقاييس يرمى كل من تركها واستبان عورها بتنقصه للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتلك شنشنة معروفة من أخزم، فحبُّ رسولنا صلى الله عليه وسلم في شغاف قلوبنا، ولا يغيب حبه إلا من قلب منافق جحود.

ومن الأسف أن أعداء الملة تمكنوا في غفلة من المصلحين أن يصدِّعوا بناءه وينقضوا أركانه، فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم يترك ميراث النبوة نهباً للعوادي؟ وكيف يقع التبديل والتغيير في دين الله في غفلة وسكون؟ وكيف يمهد للجاهلية الأولى أن تعود من جديد؟ ألا فليفقه المسلمون سيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم فقهاً مؤصلاً بالدليل والبرهان قبل أن تأخذ بهم السبل الملتوية؛ فتطوح بهم بعيداً عن الجادة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.