للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقوق الحجاج وواجباتهم]

الحمد لله، جعل المناسك، وأوضح المسالك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنقذنا من المهالك، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله الذين كانوا نجوماً في الليالي الحوالك والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! اتقوا الله يا حجاج بيت الله! واجتهدوا في الطاعات والقربات، فأنتم في أفضل مكانٍ تضاعف فيه الحسنات، فاعرفوا لهذا المكان حرمته، ولهذا الحرم قداسته، لا تدنسوه بالمعاصي والمنكرات، وعظموا شعائر ربكم وحرماته: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:٣٠] {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢] واعلموا -رحمكم الله- أن الحج ليس نزهة خلوية، ولا رحلة سياحية، وإنما هو عبادة عظيمة، ومحطة إيمانية، فتزودوا فيها بصالح العمل.

الحج رحلة شرعية، يتوجه فيها الحجاج إلى الله، وينسلخون من الماديات وسائر الشهوات والمغريات، فحققوا التوحيد والمتابعة؛ ليكون حجكم مقبولاً، واعلموا أن الانصراف عن ذلك إلى أمور غير مشروعة، أو اعتقاد أن غير الله يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً، كل ذلك سببٌ لحبوط العمل من حج أو غيره، فتفطنوا لذلك رحمكم الله، فلا أستار الكعبة، ولا حلق الأبواب، ولا شيء مما يعرف بالآثار، وما يسمى بالمزارات له خصوصية إلا ما عمله المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل: {خذوا عني مناسككم} والقائل: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.

أيها الإخوة الحجاج: ألا إن لكم علينا حقاً، وعليكم لنا واجباً؛ فحقكم علينا إكرامكم وتقديركم والسعي في كل ما من شأنه أداء مناسككم بكل يسر وسهولة، كما هو حاصل بحمد الله، وهمسة ساخنة في أذن كل من يستغل الحجيج بغلاء فاحش؛ في الأسعار، وفي المآكل، وفي المشارب والمساكن، أو يسيء الأدب معهم ويعرضهم للأذى بصورة أو بأخرى، وتلك تصرفات النشاز لا تحسب على أهل هذا البلد المسلم المضياف.

ألا وإن من واجبكم: التقيد بالفرائض الشرعية، والأنظمة المرعية، والاشتغال بحجكم وعدم إقحام أنفسكم في أمور لا تعنيكم، وكلمة إلى العاملين في خدمة الحجيج من مدنيين وعسكريين، أن يشكروا الله على ما حباهم، فخدمة الحجيج شرفٌ أيما شرف، فاحتسبوا الأجر عند الله، واصبروا على ما يصيبكم من متاعب، وكونوا مثالاً يحتذى في حسن التعامل، وكريم السجايا والأخلاق، فإنه ينظر إليكم مالا ينظر إلى غيركم، وتحية تقدير وإعزاز للجنود المجهولين، الذين يبذلون جهوداً جبارةً لخدمة الحجيج، فكم يسهرون والناس نائمون، وكم يتعبون والناس مستريحون، أخلص الله أعمالهم، ولا حرمهم ثواب ذلك، ونسأل الله أن يرزق الجميع القبول والتوفيق بمنه وكرمه إنه سميع مجيب.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله، على القائل بأبي هو وأمي: {خذوا عني مناسككم} اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وسلم الحجاج والمعتمرين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم إلى ما تحب وترضى، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم خص بالتوفيق من وفقته لخدمة الحرمين الشريفين، اللهم اجعل أعمالهم خالصة لوجهك الكريم، وزدهم من الهدى والتوفيق يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ونصرة أوليائك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر إخواننا المجاهدين والمضطهدين في دينهم في سائر الأوطان.

اللهم عجل بنصرهم يا قوي يا عزيز، اللهم وأعد المسجد الأقصى إلى بلاد المسلمين، اللهم أنقذه من اليهود الغاصبين يا حي يا قيوم، اللهم انصر إخواننا في البوسنة والشيشان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء، اللهم من أرادنا وأراد بلاد الحرمين الشريفين وأراد الحجيج بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا قوي يا عزيز.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.