للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحج وترسيخ التوحيد]

إخوة الإسلام حجاج بيت الله الحرام: الحج عبادة من أعظم العبادات، له من الشروط والأركان والواجبات ما يجب على كل من أم هذا البيت أن يعلمه ويعمل به؛ ليقبل حجه عند الله سبحانه، كما أن له من المقاصد والمنافع والحكم والآداب ما ينبغي لكل حاج أن يستشعره؛ ليحصل له بر الحج، ويعود بشيء من منافعه وآثاره.

فأهم المقاصد والغايات، وأعظم الحكم والواجبات في ذلك، أن يكون الحج منطلقاً لإعلان التوحيد الخالص لله، فلا أنداد ولا شركاء، ولا شفعاء ولا نظراء، (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) وأن يكون مرتكزاً لتجديد دعوة إبراهيم عليه السلام، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوة إلى الحنيفية السمحة، التي لا تعلق لها إلا بالله وحده، استسلاماً لله، وانقياداً لعقيدة التوحيد، وإذعاناً لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبراءة من كل مبدأ يخالف نهج الكتاب والسنة، ومن كل عقيدة لم يكن عليها سلف هذه الأمة.

أمة الإسلام: ضيوف الرحمن! وفود الملك العلام: إن القاعدة التي تبنى عليها العبادات، والأصل الذي ترتكز عليه الأعمال، وبدونه تكون هباءً منثوراً هو أساس هذا الدين، تحقيق التوحيد لله رب العالمين، وإن محادة الله بإشراك غيره معه، أظلم الظلم وأضل الضلال، فيجب على كل مسلم يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه، ويحب نجاته يوم العرض على الله، أن يعلق آماله بالله وحده، وينبذ كل من سواه كائناً من كان، فلا بد من وقفة حازمة مع النفوس.

أيها الحجاج! ألم تقرءوا آيات الحج الواردة في كتاب الله عز وجل، وتتأملوا أعمال الحج من الطواف والسعي والتلبية والرمي وما إلى ذلك؟

إنها تؤصل في النفوس المسلمة هذا الأساس العظيم، كلها تدور حول إفراد الله بالعبادة، والتحذير من الإشراك به، اقرءوا إن شئتم قوله سبحانه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج:٢٦] وقوله عز وجل: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج:٣٠ - ٣١] وقوله جل وعلا: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا الآيات} [الحج:٣٤].

فهي دعوة من الله سبحانه، ودعوة رسله عليهم الصلاة والسلام، ثم دعوة كل مؤمن وموحد أن تستلهم صحة العقيدة، وسلامة التوحيد، وإخلاص الدين لله من هذه الآيات الكريمة، وهذه العبادة العظيمة، وإن توجه العبد الضعيف إلى غير الله في سؤال أو دعاء أو ذبح أو توسل أو استغاثة، أو ادعاء أن أحداً من دون الله يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً، أو يشفع من دون الله، لهو من مصادمة الفطرة، ومخالفة الملة، ومجانبة العقيدة والسنة: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [الزمر:٤٤] {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

إخوة الإيمان! إن في الحج ولاءً خالصاً لله، وانقياداً تاماً لدين الله، لا مجال فيه لدعوة غير الله، وإعلان ولاءات لغير الله، ورفع هُتافات وشعارات مخالفةٍ لشرع الله، وعمل تجمعات وتظاهراتٍ تخرج بالحج عما شرع الله، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.