للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الجهاد في الإسلام]

الحمد لله الذي جعل الجهاد في سبيله ذروة سنام الإسلام، أحمده تعالى حمداً كثيراً على الدوام، وأشكره شكراً متوالياً على مر الليالي والأيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الدعاة والمجاهدين، أرسله بالهدى ودين الحق؛ فبلغ ودعا وبشر وأنذر، ونصح وجاهد، وصبر وصابر، فكانت حياته كلها في الدعوة والجهاد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله، فرضي الله عنهم وأرضاهم، ومن حمل راية الجهاد في سبيله من بعدهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى.

عباد الله: من حكمة الله عز وجل أن يبتلي عباده في هذه الحياة بوجود الحق والباطل، والخير والشر، والكفر والإيمان، ومن سنته كذلك أن جعل هذه المتناقضات في صراع دائمٍ وتباين مستمر، ولذلك فَمَنْعُ الفساد وكبح طغيان الشر والهواء، والإبقاء على الإيمان والعدل والخير، ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية، ولا يتحقق ذلك ويكون واقعاً ملموساً؛ إلا بحمل راية الجهاد في سبيل الله، ورفع اللواء لإعلاء كلمة الله.

إخوة الإيمان: إن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، ورتبته في أعلى شعب الإيمان، به تعلو الكلمة وتعز الأمة، وتحمى البيضة، وتصان الحرمات، وتحمى الديار، ويطرد الأعداء، ويوهن الألداء، بالجهاد يتم إقرار الحق في نصابه، ويرد البغي والظلم والطغيان، ويكافح الشر والكيد والعدوان.

الجهاد في سبيل الله: هو التجارة المنجية، والصفقة الرابحة، والبضاعة المبشرة، يحوز أهله المخلصون من المنازل أرفعها، ومن المكانة أعظمها، ومن الدرجات أعلاها، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة.

أمة الإسلام: لقد حظيت فريضة الجهاد في هذا الدين بالعناية والاهتمام، فتجد عشرات الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة الشريفة تحث على الجهاد وترغب فيه، وتبين ما لأهله من الأجر والمثوبة في الآخرة، والعزة والنصرة في الدنيا، مما لا يخفى على كل ذي بصيرة.

كما جاء الوعيد الشديد على من ركنوا إلى الدنيا، وتثاقلوا إلى الأرض، وعطلوا هذه الفريضة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق} وروى أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من لم يغز أو لم يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير؛ أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة} وما ذلك يا عباد الله! إلا لما يسببه ترك هذه الفريضة من تسلط الأعداء وتحكمهم في الأمة، يقتلون أبناءها، ويرملون نساءها، وييتمون أطفالها، ويحتلون ديارها، ويستبيحون حرماتها، فلا يرقبون فيها إلاً ولا ذمة، ولا يرعون فيها عهداً ولا حرمة، فيعم الذل وتسود المهانة، والله عز وجل يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨].