تناول البحث المراد بالتوثيق وأصوله في الشريعة الإسلامية والحكمة من تشريعه والوسائل التي يتحقق بها التوثيق، وقدمنا أمثلة من توثيقات النبي صلى الله عليه وسلم من كتابة ورهن وإشهاد، وأنه كان يحرص على التوثيق في كل أمر هام.
والمعاملات التي شرع لها التوثيق هي المعاملات التي اعترفت بها الشريعة الإسلامية وسوقتها وسيلة لتبادل الأموال والمنافع حتى يكون التوثيق مبنيًّا على أصل صحيح، ولم يكن التوثيق في اعتبار الشارع مطلوبًا ولا سائغًا في كل ما يسمَّى عند الناس معاملة، ومن القواعد المشهورة: الفاسد لا ينبني عليه صحيح وأن المبني على الفاسد فاسد.
ومن أهم وسائل التوثيق الكتابة التي وردت في آية الدين، وقد ذهب العلماء مذاهب شتى فيما إذا كانت الكتابة واجبة أم مندوبة أم مباحة ... فمنهم من ذهب إلى أنها مندوبة وذكرنا أدلتهم، ومنهم من قال إنها واجبة وذكرنا أدلتهم، ومنهم من قال إنها مباحة ... وكذلك تناول الفقهاء القدر الذي يتعلق به التوثيق، فذهب فريق إلى وجوب كتابة الدين الكثير دون القليل، وذهب بعضهم إلى وجوب كتابته صغيرًا أو كبيرًا، كما ذهب فريق ثالث إلى وجوب الإشهاد في كل شيء، وقال آخرون بالندب في القليل والكثير.
والذي نميل إليه أن طهر النفوس وظهور التقوى والورع بين الناس في زمن السلف مال بهم إلى الاجتهاد بعدم التزام التوثيق، ولكن الواقع في عهدنا هذا من خراب ذمم الناس، وبعدهم عن التقوى – إلَّا من هدى الله – يقتضي التزام التوثيق خاصة في الديون صغيرها وكبيرها، وفي ذلك تعظيم وتوقير لقول الله تعالى:{وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} . أما في المعاملات المالية الأخرى فإن للعرف بين الناس حسبما تقتضي عوائدهم وأحوالهم أثرًا كبيرًا في تحديد التوثيق الواجب والمندوب والمباح.