للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التداوي والتوكل:

يرى البعض أن التداوي ينافي التوكل على الله تعالى فيرد عليه بأت التداوي لا يناقض التوكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به غير واحد من أصحابه. وأخبر عن حكمة الله تعالى فيه فقال: "ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام" يعني الموت (١) . وقال: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) (٢) . وقال صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله" وسئل عن الدواء والرقي هل يرد من قدر الله؟ فقال: "هو من قدر الله" (٣) . والتداوي رخصة وسعة وتركه ضيق وعزيمة والله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.

وقد يؤجر المتداوي في ذلك إن نوى به اتباع السنة والأخذ برخصة الله وطلبًا لسرعة البدء للتفرغ لطاعة ربه سبحانه لأن العلل مشغلة للنفس عن الشغل بالآخرة. لأنه علم من سنته صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بالتداوي والحمية، وقطع لبعضهم عرقًا وكوى آخر وقال لعلي رضي الله عنه وكان رمد العين: "لا تأكل من هذا- يعني الرطب- وكل من هذا فإنه أوفق لك" (٤) . يعني سلقًا قد طبخ بدقيق أو شعير، وقد تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث من العقرب، وكان يغلف رأسه بالحناء (٥) من الصداع، وهو أعلى المتوكلين وليس من شرط التوكل ترك التداوي، بل هو كصب الماء على النار لإطفائها ودفع ضررها عند وقوعها في البيت، وليس من التوكل الخروج عن سنة الوكيل أصلًا.. وما روي في تداويه وأمره بذلك كثير خارج عن الحصر.

ويتبين من ذلك أن الله تعالى أجرى سنته بربط المسببات بالأسباب إظهارًا للحكمة، والأدوية أسباب مسخرة بحكم الله تعالى كسائر الأسباب ... وعلم السلف ذلك حتى الذين تداووا منهم لا ينحصرون.


(١) نيل الأوطار: ٨/٢٠٨؛ ومجمع الزوائد: ٥/٨٤، وقال: رواه البزار والطبراني.
(٢) رواه البخاري وأحمد وابن ماجه، نيل الأوطار: ٨/٢٠٨.
(٣) تحفة الأحوذي: ٦/٣٦٠؛ ومجمع الزوائد: ٥/٨٥.
(٤) تحفة الأحوذي: ٦/١٨٧.
(٥) تحفة الأحوذي: ٦/٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>