للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالات الميؤوس منها: حالات عديدة منها تموت الدماغ وفشل الكلية والسرطانات المنتشرة وتشميع الكبد، إلى آخره، وهناك عاملان، عامل علاجي وهو التداوي بوجوبه أو عدمه وقد شرحه الزميل أخي الدكتور محمد علي البار، ولكن هناك عامل نفسي كان يجب أن نقف عنده وهو عندما نقول للمريض: إن مرضك ميؤوس منه ولا علاج له فإنك قد أمته مرتين، المرة الأولى في المرض الذي هو فيه، والمرة الثانية لأنه يعلق الآمال على الطبيب، فهو بذلك يكون كمن يريد أن يتخلص من هذه الحياة.

التداوي وقد ذكره الدكتور البار، وإنه مال مع وجوب التدوي عملًا بالحديث الشريف ((تداووا عباد الله)) وكذلك أنه يجب أن نأخذ بالأسباب، فقصة مريم: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} الآية [مريم:٢٥] ، تعتمد على العمل. وكذلك سيدنا يعقوب عليه السلام عندما نصح أولاده. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعقلها وتوكل)) .

أما بالنسبة لإذن المريض: فإنني أحب أن أسرد حادثة جرت معي في المشفى وهي أن هناك طفلًا صغيرًا كان في الثانية من عمره، وأن هذا الطفل كان مصابًا بورم في الساق، وعندما أجرينا له عملية ((خذع)) من هذا الساق فتبين أن هناك سرطانًا في العظام، وأبلغنا الأب بأنه يجب أن يبتر الطرف السفلي، طبعًا الأب لم يوافق على ذلك، وبكى وصاح ثم ذهب إلى الطبيب آخر وثالث ورابع وكان الجواب نفسه، لم يرض الأب ببتر هذا الطرف ثم بعد مرور سنتين توفي هذا الطفل، السؤال المطروح: من هو المسؤول يا ترى؟ - طبعًا الأب - ولكن ما هو حكم الشرع في هذه الحادثة؟ أو ما هو حكم القانون في مثل هذه الحوادث، قرأت في كتاب من نصائح الإمام الشافعي - رضي الله عنه - لتلميذه يونس بن عبد الأعلى، قال له: لا تسكن بلدة ليس فيها عالم أو ليس فيها طبيب. ومن هنا نرى وجوب التداوي، كثير من الناس يقول: إنه يتوكل على الله فكلنا متوكلون على الله، ولكن كما قال بعض غلاة الصوفية بأن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل الله عليه من بلاء! وقسم ثان قال: التداوي وتركه أفضل، ولا نريد أن ندخل في هذا الموضوع.

أنا أريد أن أركز على الناحية النفسية، وأخالف أخي الدكتور البار، بأنه مهما كانت الحالة ميؤوسًا منها فلا يجوز لنا نحن الأطباء أن نقول للمريض: إن مرضك ميؤوس منه والأفضل ألا نقول للمريض، بل ندعه أن يترك هكذا حتى يموت، يبقى المريض معلقًا بالطبيب حتى آخر لحظة من سكرات الموت، ويبقى الإنسان يعيش على الأمل، وأما إذا قطعنا هذا الحبل بين الطبيب والمريض فإننا حينذاك نكون كمن يسدد - وهذا خطأ - رصاصة الرحمة إليه أو يريد أن ينهي حياة المريض وهذا بالشرع غير جائز كما تعلمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>