هناك ناحية ثانية، حادثة ثانية: هناك طفل مجنون وهذا الطفل كان له أخ، والمراد أن تنقل الكلية من الأخ السليم إلى الأخ المريض، من المجنون إلى العاقل، وتم نقل هذه الكلية بموافقة ذوي المريض، ولكن المجنون لا يستطيع أن يقرر مثل هذه الأشياء الشخصية لأنه ليس عاقلًا، فأعتقد أن هذه أيضًا جناية، ولا يجوز شرعًا أن تمتد يد الطبيب حتى إذا وافق الأهل على انتزاع مثل هذا العضو لنقله إلى شخص آخر، فهذا ليس حقًّا مكتسبًا لذوي المريض.
هناك بعض الحالات التي تستدعي التدخل السريع، مثل الحوادث التي يكون فيها خطر على المريض، فيجب على الطبيب أن يتدخل دون إذن المريض، وقد ذكر ذلك أخونا الدكتور البار.
أخيرًا إنني أقول رفقًا بالأطباء، فلا تحرموهم من ضم صوتكم إليهم بوجوب التداوي لأن الجهل كبير وكبير جدًّا، فمنهم من يؤمن بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان وليست من الشرع في شئ، وهناك من يدوس على ظهر المريض حتى يخلصه من الدسك، وهناك أشياء كثيرة تعرفونها نعيشها هناك، وإننا نريد أن نكون واقعيين وأن تكون قراراتنا منسجمة مع الواقع الذي نعيشه. وشكرًا.
الشيخ عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع أن هذا الموضوع لم يكتب فيه مَن كنا نود أن يسهموا فيه، لما نعرفه عنهم من اطلاع واسع وقدرة على العطاء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن المجتمع نفسه يظهر أنه لم يول هذا الموضوع اهتمامًا كبيرًا كما كان شأنه في الموضوعات الأخرى، حيث بسط القول وبين العناصر مفصلة في الموضوعات التي طلب من الخبراء والعلماء الكتابة فيها، بينما أجمل في هذا الموضوع واكتفى بعرض العنوان. وبناء على هذا العرض كان بحثي خاصًّا في جزئيات بسيطة ولهذا حصرتها في ثلاثة صور. والسيد العارض لفت نظري إلى موضوع أهم وهو الحالات المرضية المعدية أو التي يخشى منها على صحة الآخرين فمثل هذه الصورة أعتقد لا يختلف اثنان في أنه لا بد أن يعالج مثل هذا الإنسان حماية له وحماية لغيره، والقرارات الصادرة في بعض الدول نحت هذا المنحى، أما الصور التي عرضت لها وهو فهمي من العنوان علاج الحالات الميؤوس منها. فعلاج الحالات الميؤوس منها قسمتها إلى ثلاثة أقسام أو صورتها بثلاث صور.
الصورة الأولى: أن يصل الإنسان بمرضه العادي إلى هذا الحال أي إلى حالة الاحتضار، ففي مثل هذه الحالة - في حالة الاحتضار - لا نستطيع إلا أن نخضع لإرادة الله - عز وجل - وهنا الفقهاء أو العلماء الذين كتبوا في هذه الحالة بينوا الآداب التي تتبع مع المريض وهي تلقينه، والجلوس معه، وإبعاد الأطفال والنساء وما إلى ذلك، وفي مثل هذه الحالة إذا وصل إلى هذه الدرجة فما على الطبيب ولا على المريض الذي يكون فاقد الوعي ولا إرادة له، إنما بالنسبة لأهله وغيرهم لا عليهم إن هم طلبوا من الطبيب ترك العلاج.
الصورة الثانية: الذي وصل إلى هذه الحالة بالجناية عليه، أو بالاعتداء عليه كأن يكون في حادث سيارة أو مشاجرة أو كذا ووصل إلى درجة، والفقهاء في هذه الحالة يذكرون أن من وصل إلى (حركة المذبوح) ، بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار، فإذا كان بالجناية عليه فالواقع أن الشافعية لهم رأي غريب في هذا الموضوع ورأي جريء جدًّا، لا أعلم هل الأطباء يوافقون عليه أم لا؟ يعتبرونه في هذه الحالة ميتًا، ولو كانت فيه حركة حياة، قالوا: إنه يجوز دفنه والصلاة عليه، ولو كانت امرأته حاملًا ووضعت ففي هذه الحالة حلت الأزواج. واعتبروا الاعتداء عليه حتى لو جاء شخص وأجهز عليه لا يعتبر أنه أجهز على حي إنما يعتبر أنه مثل بميت، وإنما الذي أوصله إلى هذه الحالة هو الذي يعتبر جانيًا عليه. ولعلماء المالكية في هذه المسألة رأيان، رأي كالشافعية ورأي يعتبرونه حيًّا ويعتبرون من اعتدى عليه يعتبر معتديًا على حياة إنسان حي.
الصورة الثالثة: التي صورتها في بحثي هي الحالات المرضية التي لا علاج لها، والتي يقطع الأطباء بأنه لا علاج لها عندهم ففي مثل هذه الحالة في مدخل ابن الحاج ذكر صورة من هذه الصور، فإنه كان يتعاطى العلاج عند طبيب وأن الطبيب ظل معه مدة طويلة يصف له أدوية ويتقاضى منه أجرًا على هذا العلاج، حتى أن المريض نفسه يئس من علاجه وصرف الطبيب وقال: نويت أن أنفق بعض ما كنت أنفقه على الطبيب على الفقراء والمساكين طلبًا للسنة وطلبًا للعلاج، فما مضى وقت حتى شفي من هذا المرض، فوجدت الطبيب فسألته: لماذا كنت تصف لي هذه المدة ولم أكن أجد منفعه منه؟ قال: والله لم أكن أجد لمرضك هذا دواء إلا أنه يقبح بالطبيب أن يخرج من عند المريض ولا يصف له شيئًا لئلا يوحشه بذلك.