للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأمور التي اتبعها الإسلام من أجل المعالجة الواقعية لهذه الظاهرة فهي:

أولًا: ـ انفتاح طريق التكامل المعنوي للجميع على حد سواء:

وهذه الفكرة إسلامية واضحة، وضحتها الآية القرآنية الشريفة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] .

فالتقوى هي تقدير السمو والمنزلة في الإسلام، والعمل الصالح يؤثر في رفع درجات الإنسان، أيًّا كان لونه ومقامه وجنسه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] .

ولقد رأينا أن المجتمع الإسلامي قدر أشخاصًا كانوا عبيدًا، وجعلهم قادة، واقتدى بالكثير من سلوكهم وحكمهم. وبتعبير مختصر، فقد أمات الإسلام تلك النظرة السخيفة إلى العبد كمخلوق حقير، وكحيوان لا أكثر، بعد أن كانت شائعة بين الناس، وركز على أن لا فضل لأبيضكم على أسودكم، كما لا فضل لعربي على عجمي.

ثانيًا ـ الدعوة إلى جعل الخول كالإخوان، والمعاملة الحسنة:

فقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله:

((إخوانكم خولكم)) (١)

وهو تعبير جميل عن الأخوة الإسلامية، وأسلوب المعاملة التي يجب أن يتبعها الناس تجاه العبيد، ولا يترفعوا عليهم، وقد جاءت بعض الروايات التي تبين حسن الاستيعاب من العبد، وأن المال المعطى ـ في قبال ذلك ـ يجب أن يبقى في ملكه.

ففي الخبر عن الصادق (ع) كما رواه الصدوق عن إسحاق بن عمار:

" قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر، فيقول: حللني من ضربي إياك من كل ما كان مني إليك. . . ثم إن المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد فأخذها المولى، أحلال هي؟ فقال (ع) : لا، فقلت له: أليس العبد وماله لمولاه؟ فقال (ع) : ليس هذا ذاك، ثم قال (ع) : قل له فليردها عليه، فإنه لا يحل له، فإنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة". (٢)

والكتب التاريخية طافحة بما كان يعامل به القادة عبيدهم، فقد روى الكليني في (الكافي) عن رجل من أهل بلخ قال: (كنت مع الرضا (ع) في سفره إلى خرسان فدعا يومًا بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت له: جعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال: "مه إن الرب ـ تبارك وتعالى ـ واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال") . (٣) .

وقال نادر الخادم: كان أبو الحسن (ع) إذا أكل أحدنا لا يستخدمه حتى يفرغ من طعامه. (٤) .


(١) نهج الفصاحة: ص ٢٠، ح ١١٣
(٢) وسائل الشيعة: ١٣/ ٣٥، ٣٦
(٣) البحار: ٤٩/ ١٠١
(٤) البحار: ٤٩/ ١٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>