للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم دعا وشجع على العتق والمكاتبة فأصبح العتق من كفارات الذنوب وإذا طلب الرقيق منح الحرية مقابل ما يتفق عليه من مال منح ذلك.

وسلك الرسول صلى الله عليه وسلم المسلك العملي مع أصحابه في تنفيذ ما سبق أخذًا بيد الناس إلى التحرير الكامل الصحيح , فكان يؤاخي بين بعض الموالي وبعض الأحرار من سادة العرب فآخى بين بلال بن رباح وخالد بن رويحة الخثعمي، وبين مولاه زيد وعمه حمزة، وبين خارجة بن زيد وأبي بكر.

وزوج بنت عمته زينب بنت جحش من مولاه زيد، وأرسل مولاه زيدا على رأس جيش فيه الأنصار والمهاجرون من سادات العرب , فلما استشهد ولي ابنه أسامة بن زيد قيادة الجيش وفيه أبو بكر وعمر , فلم يعط المولى مجرد المساواة الإنسانية بل أعطاه حق القيادة والرئاسة على "الأحرار" (١) .

وهو الذي قال: ((اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل علكيم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تبارك وتعالى)) وعمر بن الخطاب يقول وهو يستخلف: "لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيًّا لوليته".

وهكذا كانت الواقعية في التحرير الصحيح الذي تربى فيه فنوس الأرقاء وتهذب فيه نفوس السادة ليكون الجميع بهذه التربية إخوانًا.

والإسلام الذي سلك هذه المسلك حرم كل الصور التي تمثل مصادر الرق، ولكن بقي مصدر يضطر إليه المسلمون اضطرارًا لا يتعلق بهم وحدهم وهو الحرب وما يكون من أسرى الحرب , وقد كان الأسرى المسلمون يسترقون عند أعداء الإسلام فتسلب حرياتهم ويعامل الرجال منهم بالعسف والظلم الذي كان يجري يومئذ على الرقيق، وتنتهك أعراض النساء لكل طالب، يشترك في المرأة الواحدة الرجل وأولاده وأصدقاؤه ممن يبغي الاستمتاع منهم بلا ضابط ولا نظام ولا حترام لإنسانية أولئك النساء أبكارًا كن أو غير أبكار.

أما الأطفال ـ إن وقعوا أسرى، فكانوا ينشأون في ذل العبودية البغيض (٢) .

فكان من باب المعاملة بالمثل أن يظل هذا الباب مفتوحًا ولكن مع فارق المعاملة على ما قدمنا في الصفحات السابقة من معاملة الإسلام للأسرى.

والذي ينبغي أن ننبه إليه مع ما سبق من أن الآية الكريمة التي تعرضت لأسرى الحرب قد ذكرت المن والفداء، ولم تذكر الاسترقاق للأسرى، حتى لا يكون هذا تشريعًا دائمًا للبشرية، وعلى ذلك يكون أخذ المسلمين بمبدأ الاسترقاق في الحروب خضوعًا لضرورة قاهرة لا فكاك فيها.

فالجهاد في سبيل الله سبحانه لم يكن رغبة في استعباد الناس أو أخذ أموالهم، أو التوسع والسيطرة الغاشمة إنما كان جهادا لتكون كلمة الله هي العليا؛ لأن تحقيق هذه الغاية يضمن للمجتمعات البشرية أمنها وسلمها وحريتها وكرامتها وسعادتها في الدنيا والآخرة.


(١) شبهات حول الإسلام: ص ٤٨
(٢) شبهات حول الإسلام: ص ٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>