للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول: "وبعد ستة قرون من آخر رسالة في بني إسرائيل يستمع العالم إلى صوت من جانب الجزيرة العربية يدعو إلى رب العالمين رب العربي والأعجمي، ورب الأبيض والأسود، ورب كل عشيرة وكل قبيلة، لا يستأثر بقوم ولا يؤثر قومًا على قوم إلا من عمل صالحًا واتقى حدود الله، صوت نبي ينادي كل من بعث إليه أنه لا يعلم الغيب ولا يملك خزائن الأرض، ولا يدفع السوء عن نفسه فضلًا عن قومه، ولا يعلم أن الخوارق والمعجزات تنفع أحدًا لا ينتفع بعقله ولا يتفكر فيما يسمع من نبي أو رسول، صوت نبي يقول للناس إنه إنسان كسائر الناس، وهو بشير يهدي إلى الرشد والحق، نذير يحذّر من الباطل والضلال. أي مشابهة بين الصوتين؟ بل أي اختلاف قط بينهما يجاوز هذا الاختلاف؟ يرثي لمن يقول: إن الصوتين سواء، فأما من يقول: إن النداء باسم رب العالمين نسخة محرفة من النداء برب القبيلة بين شركائه من أرباب القبائل، فإنما هو خطأ حقيق أن يسمى عجزًا في الحس؛ لأنه أظهر للحس من أن يحتاج إلى إطالة بحث أو تعمق في تفكير" (١) .

كما يضيف بعد حديثه عن الشيطان في العقائد السابقة والعقيدة الإسلامية قوله: "بهذه العقيدة الوجدانية الفكرية أقام الإسلام عرش الضمير وثل عرش الشيطان، ومن حق البحث الأمين على الباحث المنصف أن يضيفها إلى عقائد الإسلام في الله وفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي الإنسانية ـ فإذا عرف الإنصاف فما هو بقادر على أن يزعم أن الإسلام ديانة محرفة من ديانة محرفة من ديانة سبقت، وإذا عرف الصواب فما هو بقادر على أن يجحد مرتقاه في أطوار الإيمان وأنه غاية ما ارتفع إليه ضمير المؤمن في ديانات الأقدمين والمحدثين". (٢)

وقل مثل ذلك في العبادات والمعاملات وغيرها من الأحكام مما يقطع ويبطل أي شبهة في القول باقتباس القرآن الكريم من الكتب السابقة، فمقاصد القرآن الكريم وتوجيهاته وعقائده وعباداته وأخلاقه ومعاملاته وقصصه وأخباره وحلاله وحرامه وحكمه وأمثاله ولفظه ونظمه وبلاغته وفصاحته تختلف عن كل من التوراة والإنجيل اختلافًا يوحى بانقطاع الصلة بينهما اللهم إلا في القليل النادر منهما الذي بقي صحيحًا.

هذا هو حكم العقل والنقل والواقع فمن لم يقبل بهذه الموازين فقد ظلم نفسه وأوردها موارد الضياع والهلكة، وما له من الله من عاصم وويل للذين ظلموا من النار.


(١) حقائق الإسلام: ص ٧٢، ٧٣
(٢) حقائق الإسلام: ص ١٠٥

<<  <  ج: ص:  >  >>