للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ ـ وإليك الآن صورًا محدودة من الإعجاز المستمر للقرآن الكريم، وقد أقر بها المنكرون والعلماء من غير المسلمين، من هذه الصورة: ما يتصل بالكون بصفة عامة كخلق السموات والأرض وما بينهما، ومنها ما يتصل بالأرض نفسها وما فيها من آيات، ومنها ما يتصل بحركة النجوم والكواكب والليل والنهار والرياح، ومنها ما يتصل بالماء، ومنها ما يتصل بالإنسان وخلقه إلى غير ذلك وهو كثير جدًّا عرف العلماء بعضه، وما زالوا يجهلون الكثير مما وعد الله تعالى بتعليمهم إياه في قوله: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (١) .

وفي آية جامعة - أو تكاد - يقدم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بعض آياته للعاقلين تؤكد أن القرآن الكريم وحي معجز , قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (٢) .

يقول الدكتور المطعني: لقد خطا العلم خلال القرنين الأخيرين خطوات لم يسبق لها مثيل في شتى المجالات، ولم يظهر للآن مكتشف علمي يتنافر مع دلالات القرآن الحكيم، وموقف العلوم الحديثة من دلالات القرآن يتخذ ثلاث سمات:

الأولى: التوافق التام بين المعارف الحديثة ودلالات القرآن الكريم وهذه هي السمة الغالبة.

الثانية: تصحيح دلالات القرآن لأخطاء كانت عن بعض الظواهر العلمية.

الثالثة: وقوف العلم الحديث من بعض دلالات القرآن الكريم موقف العاجز عن الوصول إلى فهم الحقيقة العلمية التي يشير إليها القرآن، وأمل العلماء في هذا الفرع كبير في أن يصل العلم البشري في عصر مقبل إلى فهم الحقيقة القرآنية إذا ما توفرت بعض الظروف اللازمة لذلك الفهم.

فمما وقع التطابق فيه تامًّا مسألة انفصال السموات والأرض بعد أن كانتا كتلة واحدة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (٣) .

والرتق هو الالتصاق بلا فصل، والفتق هو الفصل بينهما بالهواء (٤) .

وقد أثبت العلم الحديث ذلك بعد أن ذكره القرآن من ألف وأربعمائة عام.

ومما صححت فيه الدلالات القرآنية أخطاء كانت شائعة من عهد أرسطو إلى عصر النهضة؛ أن العيون المائية تستمد ماءها من بحيرات جوفية في أعماق الأرض، فجاء القرآن وصحح هذا الخطأ وأشار إلى أن العيون المائية تستمد تموينها المائي من مياه الأمطار حيث جاء فيه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} (٥) .

وقد أثبت العلم ذلك وقارن العلماء بما قاله أرسطو وما ذكر القرآن , فتبين لهم خطأ أرسطو ومن تباعه من العلماء فترة طويلة وثبت صحة ما قاله القرآن الكريم (٦) .


(١) سورة فصلت: الآية ٥٣
(٢) سورة البقرة: الآية ١٦٤
(٣) سورة الأنبياء: الآية ٣٠
(٤) كلمات القرآن تفسير وبيان للشيخ حسنين مخلوف؛ وانظر: الصحاح في اللغة والعلوم مادة رتق: ص ٣٦٥؛ وفتق: ص ٨٤٢
(٥) سورة الزمر: الآية ٢١
(٦) انظر: الإسلام في مواجهة الاستشراق: ص ٥٨٢ ـ ٥٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>