للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- موت صاحب السر:

وذلك لأن ضرر البوح بالسر ينتفي بالموت غالباً، ولكن في المسألة تفصيلاً، فقد نقل ابن حجر: إذا مات لا يلزم من الكتمان ما كان يلزم في حياته، إلا أن يكون عليه غضاضة، ثم قال ابن حجر: والذي يظهر انقسام ذلك إلى أقسام: فيكون مباحاً، وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر، كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك، ويكون مكروهاً، وقد يحرم، كالذي على الميت فيه غضاضة، وقد يجب، كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحق عليه. اهـ.

قلت: وقد يكون الحق في الأصل للميت، كوديعة أودعها عند غيره سراً واستكتم المودع، فوجب عليه ردها على الورثة.

٣- أن يؤدي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الإفشاء:

ومن هنا كشف علماء الحديث أحوال الرواة ووقائع وقعت لهم تدل على فسق أو قلة دين أو تساهل في الكذب، أو نحوه، لا بغرض العيب على المسلمين، وإنما بغرض تفويت الفرصة على هؤلاء؛ لئلا يغتر الناس بأحاديثهم فيظنوها صحيحة، وهي ضعيفة أو مكذوبة، فإن استمرار الكذب، وبناء الأحكام الشرعية على أحاديث منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لم يتكلم بها أعظم ضرراً من كشف كذب الكاذبين.

وكذلك في الشهادة، فإن شهد المستور الحال أو الظاهر العدالة، بأن لمن يعلم باطن حاله أن يقدح فيه ويبين السبب لئلا يظلم المشهود عليه.

٤- دفع الخطر:

قال الزبيدي: يستثنى ما لو تعين (الإفشاء) طريقاً لإنقاذ مسلم من هلاكه أو نحوه، كأن يخبر ثقة بأن فلاناً قد خلا برجل ليقتله، أو امرأة ليزني بها، فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده، وفي حديث جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المجالس بالأمانة، فلا يشيع حديث جليسه إلا فيما يحرم ستره من الإضرار بالمسلمين)) إلا أنه حديث ضعيف، وفي رواية عند أبي داود: ((المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: مجلس يسفك فيه دم حرام، أو يستحل فيه فرج حرام، أو مجلس يستحل فيه مال من غير حله)) قال الزبيدي: سكوت أبي داود عليه يدل على أنه عنده حديث حسن.

قال: والمراد بالحديث أن المسلم إذا حضر مجلساً، وجد أهله على منكر أن يستر على عورتهم ولا يشيع ما رأى منهم إلا أن يكون أحد هذه الثلاثة فإنه فساد عظيم وإخفاؤه ضرر كبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>