للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قطع أيدي اللصوص في الغزو، بقوله: ((لا تقطع الأيدي في السفر)) (١) .

ثم بالاستناد إلى هذا الحديث، أفتى المجتهدون، بوجوب رفع الحد والعقوبة في أرض العدو؛ لئلا يلتحق المحكوم عليهم بالأعداء.

وعلى هذا كله، بنى الفقهاء القاعدة الكلية (المشقة تجلب التيسير) وهي من القواعد الأربع التي قال عنها القاضي حسين الشافعي: (إن مبنى الفقه عليها) (٢) .

وإن التيسير معناه الرخصة، أو التخفيف الشرعي بسبب المشقة، استثناء من القاعدة العامة.

والمشقة تشمل الاضطرار والحاجة، دون المصلحة الكمالية، فحالة الاضطرار أو الضرورة هي بعرف الأصوليين: ما التجأ فيها المرء إلى حفظ دينه أو نفسه أو ماله أو عقله أو نسله من الهلاك.

والحاجة: هي ما كانت لازمة لصلاح المعيشة، أما الكماليات: فهي ما وقعت موقع التزيين والتحسين.

والمقصود من هذا كله هو أن الأصل في تعاليم الإسلام الحنيف، عدم جواز معاينة ومعالجة الرجل المرأة الأجنبية، وذلك من أجل النظر والملامسة فيهما.

ويستثنى من ذلك حالات الضرورة، كعدم وجود طبيبة تثق المريضة أو ذووها بها، أو تجد طبيبة ولكنها ليست متخصصة كتخصص الطبيب المعالج لها، إذا كان مرضها يتطلب تخصصاً معيناً، أو أن معارك الجهاد تحتاج إلى توفير الرجال للقتال، وإلى فتح المجال أمام النساء لتمريض الرجال أو معاينتهم ومداواتهم، والقاعدة الفقهية تقول: (الضرورات تبيح المحظورات) ، وقال الإمام الغزالي: (جميع المحرمات تباح بالضرورات) (٣) .

وجاء في القواعد الكلية الواردة في الأشباه والنظائر والمنقولة في مجلة الأحكام العدلية (مادة رقم ٣١) أن: (الضرورات تبيح المحظورات) .

وإن الأمثلة على تطبيق هذه القاعدة عديدة ومتنوعة، ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة، بل لها تقييدات عديدة، فالإباحة مقيدة بالنص، أو بالقدر، أو بالزمن، وها نحن نستعرض هذه التقييدات مع المواد الكلية التي ذكر بشأنها، ومع بعض الأمثلة التي تهمنا هنا.


(١) رواه أبو داود في كتاب الحدود – ٣٧- باب ١٩ (في الرجل يسرق في الغزو، أيقطع؟) وهذا ترقيم المفتاح، أما نسخة أبي داود بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: ٤/ ٢٠٠. وقال المحقق: وأخرجه الترمذي والنسائي: عن جنادة بن أبي أمية، قال: كنا مع بسر بن أرطاة في البحر، فأتي بسارق يقال له: مصدرة قد سرق الناقة، فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في السفر، ولولا ذلك لقطعته، ورواه الترمذي في كتاب (الحدود) ١٥- باب (ما جاء أن لا تقطع الأيدي في الغزو) ، وقال: هذا حديث غريب، وقد رواه ابن لهيعة بهذا الإسناد ونحو هذا، انظر ٣/٥ من سنن الترمذي، وهو الجامع الصحيح بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان – مطبعة دار الفكر- بيروت. ورواه النسائي في كتاب ٤٦ – باب ١٦ (القطع في السفر) عن بسر بن أرطاة بلفظ أبي داود السابق، انظر الجزء الثامن من سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي ص ٩١، طباعة دار الفكر – بيروت، قال السيوطي: وجاء في روايات الحديث (الغزو)
(٢) جمع الجوامع –شرح المحلى وحاشية البناني (٢/ ٣٧٣)
(٣) الوجيز (٢/ ٢١٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>