للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الفريق الثاني الذي ظهر في هذا العصر فهو فريق ضال مضل، نشأ على أيدي المستشرقين، وتأثر بهم، فسار على منوالهم، وهو أشبه بمن عرفناهم في القرن الثاني بالزنادقة المتأثرين بالفلسفات القديمة، والمبارزين للإسلام المحاربين له والعاملين على تقويض أصوله وهدم أركانه.

ولقد تعاون الاستعمار الغربي وعلماء الاستشراق على التخطيط لغزو العالم الإسلامي فكرياً، وترسيخ مفاهيم الغرب فيه، وتصورات الحضارة المادية بين أفراده ومجتمعاته. فكان التفسخ والتمزق والانحلال في المجتمع والفكر والسلوك في حياتنا، وعلى امتداد العالم الإسلامي تغذي ذلك كله وتقوم به مؤسسات ودوائر ظاهرة ومستخفية، جعلت من الدروس العلمية ذريعة لغايات سياسية ودينية. وهذا الغرض العام من السياسة الاستعمارية في البلاد الإسلامية هو الذي يعلن شاتلي عنه في مجلة العالم الإسلامي في بداية هذا القرن، العشرين، ويصرح: (بأنه لا يمكن الوصول إليه إلا بالتعليم الذي يكون تحت الجامعات الفرنسية، نظراً لما اختص به هذا التعليم من الوسائل العقلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة) . ويمضي فيقول: (وأنا أرجو أن يخرج هذا التعليم إلى حيز الفعل ليبث في دين الإسلام التعاليم المستمدة من المدرسة الجامعة الفرنسية.. ولا ينبغي أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعاً وخصائص أخرى إذا هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية؛ إذ الضعف التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية، وما يتبع هذا الضعف من الانتقاص والاضمحلال الملازم له سوف يفضي بعد انتشاره في كل الجهات إلى انحلال الروح الدينية من أساسها، لا إلى نشأتها بشكل آخر) (١)

وجاء هؤلاء المتغربون بعد التخرج على تلك المناهج، سواء في ديارهم أو في الدول الاستعمارية، مع قلة معرفتهم بدينهم، وإساءتهم الفهم والتصور لأصوله ومبادئه، وقيمه وأخلاقه، فتفلسفوا ونظروا، وأخضعوا كل شيء لما تلقوه أو شدوا جزءاً منه في تلك الجامعات، أو مارسوه في الحياة العملية في تلك المجتمعات، وتحقق على أيديهم أكثر مما تحقق على أيدي أساتذتهم ومعلميهم الأجانب.


(١) الغارة على الإسلام: ٩ - ١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>