للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يبدأ بذكر حقيقة معلومة من الناس جميعاً، هي عدم تدوين السنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ويستنتج من ذلك أن غيبة التدوين في هذه الفترة أدت إلى انقسام الناس إلى فرق، وإلى اختلاف بينهم في المذاهب، وقد شجع ذلك كله وجود كثير من الأخبار وانتشار الوضع بين أصحاب تلك الفرق.

فإذا عاد بعد ذلك إلى التراث النبوي، وهو الحديث أو السنة جعله نوعين: السنة العملية، والسنة القولية، فالعملية عنده هي السنة المتواترة، وما أجمع عليه المسلمون في الصدر الأول، وما كان معلوماً من الدين بالضرورة، وموقع هذه السنة العملية تال لمحل القرآن، وهما بحسب ما يظهر من قوله مصدرا الشريعة، أما السنة القولية فهي في الدرجة الثالثة، ولا يلزم العمل بها لأنها وإن ثبتت أو صحت لا ترقى إلى القرآن وإلى السنة العملية، فهذان يضعان الدين العام الذي يلزم اعتقاده واتباعه، بخلاف القولية فإنها لا تحدد ذلك، وعلى هذا الأساس فارق كلام العلماء والمجتهدين واعتبر أخبار الآحاد غير ملزمة بالعمل إلا لمن صحت عنده رواية ودلالة، فلا تكون تشريعاً عاماً تلزم به الأمة إلزاماً، تقليداً لمن ثبتت عنده وأخذ بها.

وفي كتابه يعود إلى بعض رجال العصر الأول ممن ورثنا عنهم علماً وحكمة وشريعة وأدباً نبوياً، فيسلك مسلك المستشرقين ومن تبعهم مع أبي هريرة رضي الله عنه، ويصف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بكل منقصة وضعة، ويقول: فهو ليس في العير ولا في النفير، وأنه كان مصانعاً في حياته العملية للحاكمين، وأنه حين سئل عن موقفه منهم قال: (علي أعلم ومعاوية أدسم والجبل أسلم) (١) وأنه حدث بأحاديث كثيرة أنكرها عليه معاصروه من الصحابة، ويبطل هذه المقالة ما رواه ابن كثير عن طلحة بن عبد الله من قوله عنه: (والله ما نشك أنه قد سمع من رسول الله ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوما أغنياء، لنا بيوت وأهلون، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا أهل، وإنما كانت يده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيثما دار، فما نشك أنه علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع) (٢)


(١) أبو رية، أضواء على السنة المحمدية: ١٥٦-١٥٧
(٢) تاريخ ابن كثير: ٨/ ١٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>