للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاتجاه الأول: وهو النظر إلى الأحكام الظاهرة، وإلى الأفعال عند حدوثها، دون النظر إلى غاياتها ومآلاتها، أخذ به الإمام الشافعي في الذرائع، بل إنه عمم تلك النظرة الظاهرية المادية على كل نواحي الشريعة وطبق قاعدته على العقود والتصرفات (١) .

وخالفه في تلك النظرية الإمامان مالك وأحمد في الحكم بالذرائع، فإنهما نظرًا إلى المآلات والغايات نظرة مجردة، ونظرا إلى البواعث أيضًا، فمن عقد عقدًا قصد به أمرًا محرمًا، واتخذ العقد ذريعة له، فإن المآل والباعث يحرمان العقد، فيأثم عند الله، ويكون العقد باطلًا؛ لأنه ربا، فيبطل سدا للذريعة.

ولا أجد بدا في تقديري من اختيار مذهب مالك وأحمد رضي الله عنهما؛ لأنه متمش مع قاعدة: " الأمور بمقاصدها " وحديث ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فبين النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية، وبين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال (٢) .

وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا، حصل له الربا، ولا يعصمه من حرمة الربا صورة البيع.

ثم إن هذا المسلك أنزه في الدين، وأقرب إلى مقاصد الشريعة العامة التي جاءت لإصلاح الناس، على أسس صالحة من الخير والسداد، في النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

واعتبار الذرائع عند هؤلاء يكون بأمرين:

الأول: قصد المكلف إلى التخلص من أمر شرعي، كمن يتحايل للتخلص من فريضة الزكاة، بأن يهبها مثلًا للفقير ليردها إليه، أو يبيعها مع شيء ثم يشتريها من الفقير، فإن هذا يحرم؛ لأنه ذريعة مؤكدة لهدم ما أمر الله به.

الثاني: إن الغالب الكثير أن يكون أمر من الأمور في وقت من الأوقات يؤدي إلى ما حرم الله تعالى، فإنه يكون حرامًا في ذلك الوقت وحده، دون سواه، كبيع السلاح في أيام الفتن.


(١) الأم ٣/٣٣، ٧/٧٠
(٢) الأم ٣/١٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>