للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفها ابن تيمية بقوله: (والحيلة مشتقة من التحول وهو النوع من الحلول كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود، وكالأكلة والشربة من الأكل والشرب، ومعناها نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي هو التحول من حال إلى حال هذا مقتضاها في اللغة.

ثم غلبت بعرف الاستعمال على ما يكون من الطرق الخفية إلى حصول الغرض، وبحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، فإن كان المقصود أمرًا حسنًا كانت الحيلة حسنة، وإن كان قبيحًا كانت قبيحة.

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ولا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) صارت في عرف الفقهاء إذا أطلقت قصد بها الحيل التي يستحل بها المحارم كحيل اليهود (١) . وكل حيلة تضمنت إسقاط حق لله أو للآدمي فهي تندرج فيما تستحل به المحارم (٢) .

وبالنظر إلى ما تقدم في تعريف كل من الذرائع والحيل نرى أن بينهما ترابطًا كبيرًا فهما متشابهتان، والكلام فيهما متداخل وإن من كتب عن إحداهما غالبًا يكتب عن الأخرى.

فالشاطبي كتب أولًا عن الحيل في الجزء الثاني من الموافقات، وأتى بأمثلة كثيرة، هي الأمثلة نفسها التي مثل بها ابن تيمية للذرائع (٣) .

ثم إن الشاطبي أتى بسد الذرائع في الجزء الرابع وأتبعها أيضًا بالحيل ومثله ابن القيم أما ابن تيمية فبعد أن أفاض الكلام على الحيل أتبعها بسد الذرائع.

وفي تعريف القرافي للذرائع قال إنها الوسيلة والطريق إلى الشيء، سواء كان مشروعًا أو غير مشروع، ولذلك يجب فتحها للواجب وسدها عن المحرم، إلا أنها غلب عليها الاستعمال في أمر ظاهره الجواز لكنه يؤول إلى الحرام.

والشيء نفسه لاحظناه في تعريف ابن تيمية للحيل فذكر أن الحيل غلبت بعرف الاستعمال على ما يكون من الطرق الخفية إلى حصول الغرض.

قال: (فإن كان المقصود أمرًا حسنًا كانت الحيلة حسنة وإن كان قبيحًا كانت قبيحة) . ثم قال: وإنها صارت في عرف الفقهاء إذا أطلقت قصد بها الحيل التي تستحل بها المحارم كحيل اليهود) .


(١) حيل اليهود منها أنهم حرمت عليهم الشحوم فأذابوها وجعلوها ودكًا فباعوها لحديث: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها.) أخرجه الشيخان عن عمر مرفوعًا ـ البخاري ٢/٧٧٤ ـ ٧٧٥ ومسلم ٣/١٠٣٧
(٢) الفتاوى الكبرى ٣/٨٣
(٣) الموافقات ٢/٣٨٤، والفتاوى الكبرى ٣/ ١٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>