للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية كيف نتعامل مع أعدائنا، فحين اعترض المشركون في كتابة عقد الصلح على وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم إنك تعلم أني رسولك، اكتب يا علي: محمد بن عبد الله) . . . ومثل ذلك فعل علي كرم الله وجهه في عقد التحكيم مع معاوية فجعل التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية ولم يصف نفسه بما ينازعه فيه خصومه من أنه أمير المؤمنين.

٥١ – ثم إن اختلاف صور المنازعات الدولية، وتباين مظاهر الصراعات بين الدول في العصر الحديث، مع تعقد المصالح وتشابكها، يقتضي أن تكون الدولة واثقة كل الثقة في شخص ممثلها، وبالتالي فلا يتصور إلزامها بأن تختاره من أعدائها المسلمين، لا سيما وأن مجابهة الأحداث الدولية تستلزم خوض معارك شتى، قد تكون حربية أو سياسية دبلوماسية أو قانونية، ولكل معركة أساليبها، ومتطلباتها وفرسانها، والدول وإن كانت تنأى عادة عن الأساليب الحربية لعظم مخاطرها، وتفضل الوسائل السياسية والدبلوماسية، لمرونتها وإمكان السيطرة عليها وعلى نتائجها، فإنها كثيرًا ما تجد أن المخرج المناسب ينحصر في المجابهة القانونية التي تكون عادة عن طريق التحكيم الدولي أو القضاء الدولي، وهي تختار بينهما وفق ما تكشف عنه الموازنة – لديها – بين نتائجهما المحتملة في كل قضية، فحكم التحكيم الدولي أو حكم القضاء الدولي كلاهما ملزم لأطراف الخصومة، وكلاهما نهائي بحسب الأصل، ولكن حكم التحكيم لا وسيلة لتنفيذه إلا برضاء الدولة المحكوم عليها، وهي عادة تفعل ذلك، غير أنها إذا لم تفعل، فلا وسيلة لتنفيذ الحكم جبرًا لعدم وجود سلطة عليا تملك الاختصاص بتنفيذ الحكم بالقوة، وذلك بخلاف حكم القضاء الدولي الذي يوضع له – عن طريق المجتمع الدولي وتنظيماته التي ينتمي إليها فرع القضاء – من الجزاءات والضغوط ما يحمل الدول على تنفيذه.

٥٢ – ومع ذلك فقد يكون للتحكيم فوائده التي تدفع إلى الالتجاء إليه دون القضاء الدولي؛ وذلك لأن التحكيم قد يلعب دورًا رئيسيًّا في حل المنازعات الدولية التي يكون من المناسب تسويتها بقرار تحكيم، يضع في اعتباره عناصر الواقع ولا يستند إلى الاعتبارات القانونية البحتة (١) .


(١) الدكتور مفيد محمود شهاب، المنظمات الدولية، الطبعة التاسعة سنة ١٩٨٩، ص ٣٣٩، ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>