للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك فإن المجتمع الدولي – حاليًا – مع أخذه بنظام القضاء الدولي، فإنه يصر على بقاء التحكيم الدولي كوسيلة لإنهاء النزاع سلميًّا، وقد يبدو هنا المعنى جليًّا في إبقائه على اتفاقية التحكيم الدولي التي أبرمت عام ١٨٩٩ وأنشأت ما أطلق عليه اسم (المحكمة الدائمة للتحكيم) والتي يمثلها مكتب في لاهاي به قلم كتاب وقائمة بأسماء عدد من الأعضاء الذين يمكن أن يختار من بينهم المحكمون الذين يعهد إليهم بالفصل في المنازعات التي يطلب من هذه الهيئة الإسهام في حسمها.

وقد سنحت فرصة التعرف على آراء المجتمع الدولي في أهمية التحكيم الدولي بصورة أكثر وضوحًا، حين اقترحت دولة الأرجنتين (١) عند إنشاء محكمة العدل الدولية أن تلغي محكمة التحكيم الدولية اكتفاء بمحكمة العدل، فقد أبى المجتمع الموافقة على هذا الاقتراح وتمسك ببقاء نظام التحكيم ونظام القضاء معًا، لتختار كل دولة ما تراه موائمًا للمنازعة الناشبة، دون أن تجبر على سلوك طريق منهما بعينه.

ذلك لأن السمة البارزة في المجتمع الدولي المعاصر هو عدم إلزام الدولة بطريق محدد تحسم به منازعاتها مع الآخرين سلميًّا، فهي حتى لو اختارت القضاء الدولي فإن اختيارها يجب أن ينبع من إراداتها، فليس في القضاء الدولي – في واقع الأمر – إجبار للدول على الالتجاء إليه، وما قد يقال في هذا الشأن من أن الالتجاء إلى القضاء الدولي قد يتصف بالإلزام، هو في حقيقته قائم على أساس قاعدة خلقها اتفاق سابق مؤسس على تقابل إرادة أطرافه، أعلنت به الدولة قبولها حسم المنازعات المحتملة أو القائمة قضاء، وبذلك يتميز القضاء الدولي عن القضاء الداخلي؛ إذ إن هذا القضاء الأخير لا يقوم فيه الاختصاص على الاتفاق، فالدولة هي التي تنظم العدالة وتفرض سلطة قضائية دائمة وملزمة، تتولى ترتيبها ووضع القواعد الكفيلة بتنفيذ ما تصدره من أحكام (٢) .


(١) الدكتور مفيد محمود شهاب، المنظمات الدولية، الطبعة التاسعة سنة ١٩٨٩ ص ٣٣٩ – ٣٤٠
(٢) الدكتور مفيد محمود شهاب، المنظمات الدولية، الطبعة التاسعة سنة ١٩٨٩، ص ٣٣٩، ٣٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>